وفي الجزيرة موطن الأسرار ومهبط الوحي ومشرق الدين ومنبت العبقرية تخطر العروبة في مطارف العز بين سرير الإمام وعرش المَلِك! وإذا نزت بين الأخوين نوازي الخلاف فذلك حفاظ ينتهي إلى السلم، تعود إلى السلامه، وإن في إصاختهما إلى دعوة الداعين إلى الصلح في أقطار العرب لدليلا على اتجاه الميول إلى الوحدة، وإصغاء القلب إلى الجماعة وفي الجزائر ومراكش قلوب تذوب من حرارة الظلم، ورءوس تدور من خَدَر السياسة، وشهداء في سبيل الوطن والدين يخطون لأبنائهم بدمائهم وصية المستقبل! وسائر المسلمين في تركية وإيران وأفغانستان والهند والصين وأندوسيا وروسيا ويوغوسلافيا يشعرون بالتطور الجديد، وينظرون إلى الأفق، ويتمنون أن يعود الإسلام كما بدأ مرفوع الراية، مجموع الرأي، مسموع الكلمة! والأمر في الجملة يدل على نور ينبثق من جديد في أمة محمد، وروح ينبعث في مملكة الرشيد، وشعور يتألف من هذه الروح وذلك النور فيجمع قلوب الاخوة المتفرقين على هوى واحد!
حسبُنا مطلع العام الهجري موقظا للشعور وحافز للهمم وهادياً إلى شرف الغاية. يستقبله المسلم الذاكر فتعاوده ذكريان تجددان دينه وتثبتان يقينه وتقومان خلقة: ذكرى هجرة الرسول في سبيل الدين، وذكرى مقتل الحسين في سبيل الحق! فأما هجرة الرسول فقصيدة من قصائد البطولة القدسية لا يفتر عن إنشادها الدهر! استمدت وعيها من روح الله، ونسجها من خلق الرسول، وسيرها من صدق العرب! واستقرت في مجامع الأجيال مثلا مضروبا لقواد الإنسانية، يلهمهم الصبر على مكاره الرأي، والاستمساك في مزالق الفتنه، والاستبسال في مواقف المحنة، والاستشهاد في سبيل المبداء، والاعتقاد الصادق بفوز الفكرة
بلَّغ الرسول ما أنزل إليه من ربه وقد تألبت عليه جهالة العصبية، وحماقة الشرك، وسفاهة الحسد، وعداوة المنافسة، وحرمان الفقر، وخذلان القلة، فما استكان ولا وهن؛ ثم نبْت ففار مكة على الغراس الإلهي فهاجر به تحت عين الله إلى طيبة!
وهنالك؛ الصبر والصدق والأيمان والرجولة، أثمر غرس الدعوة، وتم نور الله، وأصبحت القلة ملة، وصارت كل قرية من القرى الثلاث قارَّة
وأما مقتل الحسين فلا يزال صكاً دامياً في سجل التأريخ، يثبت أن العربي الحر لا تلهية