بأن الإنسان أكمل المخلوقات طراً، لأن له أثني عشر عضواً يقابل كل عضو من هذه الأعضاء برجاً من البروج؛ لذلك فالعالم الأكبر اجتمع هنا في العالم الأصغر، فهو هو هو، والعالم الأصغر هو نفس العالم الأكبر. وحيث أن آدم هو أبو البشر فهو يمثل الصلة بين العالم الأكبر وبين العالم الأصغر فهو إذا اكمل البشر وهو الإنسان الأول أو الإنسان الكامل على الإطلاق.
وتقارب هذه النظرية، على ما يقوله ماكس هورتن، نظرية (الحروفية) وهم الذين يمثلون فلسفة العدد في الإسلام، والذين ينتهون بحكم هذه التعاليم إلى الحلولية على نحو ما ينتهي إليه أمثال هؤلاء في الشرق والغرب، مثل ما انتهى إليه نيقولا كوزانوس الذي كان يقول بأن الواحد مرآة صافية للكل، وأن العالم الأصغر هو هو العالم الأكبر، فيه حل الواحد وفي كل شيء حل الله، على نظرية ما في الجبة إلا الله. وهو في تعاليمه يشابه الفيلسوف العربي الكندي ويكاد يكون أحد تلاميذه أو أتباعه. ومثل الفيلسوف لايبنتز في نظريته عن الذرات الروحية أو طلاجينلا الإيطالي المشهور والشاعر الشهير جوته في مذهب الحلول.
وهذا الإنسان الكامل الذي أبدع في وصفه المتوفة، هو إنسان خيالي روحاني ليس له مثيل بين سكان الأرض، يجمع بين العالمين العالم الروحاني والعالم المادي، لا يعبأ بهذا الكون ولا يقيم له وزناً، وهو على طرفي نقيض مع (الإنسان الأعلى)، أو السوبرمان الذي ابتدعه فلاسفة أوربا المحدثون، ويعنون بذلك الإنسان الذي يحبذ هذا الكون ويقدسه، يريد السيطرة ويحترم مبدأ القوة، لتناقض موجود في الأساس بين الفكرتين الشرقية الخيالية والغربية العملية الاكتشافية.
وقد جمع عبد الكريم الجيلي المتوفى عام ١٤١٠م تقريباً آراء فلاسفة الإسلام في الإنسان الكامل، في كتاب سماه:(الإنسان الكامل في معرفة الأواخر والأوائل) استفاد منه المستشرق الإنكليزي نيكلسون كثيراً إذ ذكر وجهات نظر المسلمين في هذا الإنسان أثناء بحثه عن التصوف الإسلامي فليرجع إليه.