صندوقه. وأخذ يقطع الإفريز فخوراً طروباً. وارتسمت لعينيه صورة نبوية في ملاءتها اللف فقال متمتماً: لو تراني الآن! نعم لن تتجافاني بعد اليوم ولن تلوي وجهها عن احتقاراً. ولن بجد الغر ما يفخر به علي. ولكنه ذكر أن الغر يرتدي بذلة كاملة لا جاكتة مفردة فكيف السبيل إلى البنطلون. وفكر ملياً. وألقى على رؤوس الأسرى المطلة من نوافذ القطار نظرة ذات معنى. ولعب الطمع بقلبه من جديد فاضطربت نفسه بعد أن أوشكت أن تستقر. ودلف إلي القطار ونادى بجرأة:(سجائر. سجائر. العلبة بمنطلون لمن ليس معه نقود. العلبة بمنطلون) وأعاد نداءه مثنى وثلاثاً، وخشي أن يغيب عن الإفهام مقصده فمضى يومئ إلى الجاكتة التي يرتديها ويلوح بعلبة سجائر. ولكنه إيمائه الأثر المرجو فلم يتردد جندي أن يهم بخلع جاكتته ولكنه سارع نحوه وأومأ إليه أن يتمهل، ثم أشار إلى بنطلونه يعني أن ذلك بغيته؛ وهز الجندي منكبيه باستهانة وخلع البنطلون وتم التبادل. وقبضت يد جحشة على البنطلون بقوة يكاد أن يطير من الفرح، وتقهقهر إلى مكانه الأول وأخذ يرتدي البنطلون وانتهى في اقل من دقيقة فصار جندياً إيطالياً كاملاً. . . ترى هل ينقصه شيء؟. . . المؤسف حقاً أن هؤلاء الأسرى لا يغطون رؤوسهم بالطرابيش. . . ولكنهم يضعون أقدامهم في أحذية. . . ولا غنى عن حذاء ليتساوى بالغر الذي يكرب حياته. وحمل صندوقه وهرع إلى القطار وهو يصرخ (سجائر. . . العلبة بحذاء. . . العلبة بحذاء). واستعان على التفاهم بالإشارة كما فعل في المرة الأولى. ولكنه قبل أن يظفر بزبون جديد آذنت صفارة القطار بالمسير. فتمخضت عن موجة نشاط شملت الحراس جميعاً. وكانت سحائب الظلام تغشى جوانب المحطة، وطائر الليل يحلق في الفضاء، فتوقف جحشة وفي نفسه لوعة، وفي عينيه نظرة الليل يحلق في الفضاء، فتوقف حجشة وفي نفسه لوعة، وفي عينيه نظرة حسرة وغيط. ولما أخذ القطار يتحرك لمحه حارس في عربة أمامية فبدا على وجهه الغضب وصاح به الإنجليزية ثم بالإيطالية (اصعد بسرعة. اصعد أيها الأسير) فلم يفهم جحشة ما يقول وأراد أن ينفس عن صدره فجعل يقلده في حركاته مستهزئاً به مطمئناً إلى بعهد عن متناول يده. فصاح به الحارس مرة أخرى والقطار يبتعد رويداً رويداً (إصعد، إني أحذرك، اصعد) فزمّ جحشة شفتيه احتقاراً وولاه ظهره وهم بالمسير؛ فكور الحارس قبضة يسره مهدداً وصوب بندقيته نحو الشاب الغافل. . . وأطلق النار. ودوي