التشابه هو الذي جعل لكتب الغزالي رواجاً عظيماً بين فلاسفة أوربا المدرسيين المسيحيين وشهرة كبيرة أثرت على آراء بعض علماء اللاتين مثل توماس الأكويني وباسكال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حتى يمكن أن نقول إنه كان حجة لدى المسيحيين كما كان حجة لدى المسلمين.
أدرك علماء من المسلمين هذا التشابه بين آراء الغزالي وبين آراء يحيى النحوي فقالوا بأن الغزالي كان يقرر ما كان يحيى قد سبقه به. وأدرك بعض المستشرقين ما بين كتاب (المنقذ من الضلال) وما بين كتاب أوغسطين (العقائد) من الاتصال فقالوا قولاً ل يجزموا أنفسهم بما قالوه جزماً. وأدرك المستشرقون أيضاً ما بين (الكوميديا الإلهية) للشاعر الإيطالي دانته الشهير (١٢٦٦ - ١٣٢١م) وما بين بعض القصص الإسلامية من الاتصال مثل قصة الإسراء. وقالوا إن دخول هذه العناصر إلى الكوميديا الدينية كان إما عن طريق مباشر وإنا عن طريق الأساطير الأوربية التي سبق عهدها عهد الكوميديا الإلهية. وتظهر هذه الروح الإسلامية في كثير من مواضع الكوميديا. وقد أيد بحث بعض المستشرقين أمثال سنوك هور كرونيه وإيتالو بيتزي هذا الرأي. وقد كتب العالم الشهير عن هذا الموضوع كتاباً خاصاً حلل فيه الكوميدية تحليلاً دقيقاً مظهراً أثر القصة العربية فيه.
وقال آخرون إن هذا التشابه أمر واقعي؛ ولكنه لا يعود إلى مصدر عربي أصلاً بل يعود سببه إلى التقارب الكائن فيما بين العقليتين الرومانية والعربية. بينما يرى إسن أن لرسالة الغفران للشاعر المتشائم أبي العلاء المعري، وهو شاعر فيلسوف يوافق تفكيره التفكير الغربي أثر لا ينكر على كوميدية دانته هذه. وهذا رأي ذهب إله مستشرقون آخرون وقد تعودنا سماعه، ولكنه يحتاج إلى بحث علمي دقيق لنرى وجه التشابه، وسبب هذا التقارب في الأفكار.
وعلى كل فهنا مثالان نسوقهما للقارئ من أمثلة كثيرة، ليرى إلى أي مدى يصل التشابه الفكري بين الناس أحياناً وهو موضوع مهم أكثر ما يسقط فيه المستشرقون. يحتاج إلى درس عميق ومقارنة بين العقليات البشرية، وخصوصاً فيما يطلق عليه (الأفكار البشرية العامة) وهي الأفكار التي تخطر على بال كل أحد وتمر على فكر كل إنسان.