للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأي عنك واسع

قتل النحاة والبيانيون هذا البيت شرحاً وتحليلاً، وجعلوه من عيون التشبيهات الرائعة، شبه النابغة النعمان بالليل في أن كلاً منهما مع ما فيه من شديد الرهبة والوحشة يغشى مطلوبة بسرعة لا تدع له منحى مهما ظن الفرار ممكناً. أما شراح المنتخب فكل ما قالوه في شرح البيت:

فإن عقابك ومؤاخذتك كالليل؛ أي لا أنجو من عقابك مهما اتسعت أمامي مذاهب البعد عنك والهرب منك. وبهذا أذهبوا روعة التشبيه، إن لم نقل جانبوا غرض الشاعر.

خطاطيف حجن في حبال متينة ... تمد بها أيد إليك نوازع

قالوا: خطاطيف خبر لمبدأ محذوف، أي لك خطاطيف!؟ وأنا أناشدهم الله أفيهم من يقبل من تلاميذ الابتدائي أن يقدروا المبتدأ جاراً ومجروراً!

أتوعد عبداً لم يخنك أمانة ... ويترك عبد ظالم وهو ضالع

رفعوا يترك بعد الواو، والمدارس تعلم الطلبة أن الواو التي يليها المضارع للمعية إذا سبقها نفي أو طلب. ولست أجهل أن الرفع جائز، ولكن المعنى على الرفع غير المعنى على النصب، ولست أشك في أن المعية مقصودة هنا.

وأنت ربيع ينعش الناس سيبه ... وسيف أعيرته المنية قاطع

أبى الله إلا عدله ووفاءه ... فلا النكر معروف ولا العرف ضائع

وتستقى إذا ما شئت غير مصرد ... بزوراء في حاناتها المسك كانع

يصف النابغة النعمان بالسخاء والشجاعة، وأن الله فطره على العدل والوفاء، لا يعرف المنكر، ولا ينسى الجميل، قد تهيأت له أسباب الرفاهية، يشرب ما شاء من أطيب الشراب في كأس من الفضة، كأنها لطيب ما فيها قد لصق المسك بحافاتها، وكل هذا خبر لا دعاء فيه ولا إنشاء؛ ولكن انظر كيف حار المؤلفون الستة في ضميري أبى الله إلا عدله ووفاءه، أهما لله جل شأنه أم للنعمان؟ فقالوا في الشرح: (أي أن الله عادل ليس المنكر مقبولاً عنده، ولا المعروف ضائعاً لديه، وهو جاعل النعمان بإرادته عادلاً، وإن قلنا إن الضمير يعود على النعمان كان المعنى ظاهراً. أهـ). ثم أنظر في البيت الأخير كيف حرفوا كلمة حافات فجعلوها حانات، وكيف غرهم بعض الكتب فاتبعوه؛ وقالوا في الشرح: زوراء دار كانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>