ظهر منها وما بطن، ويرفع فيها لواء الباطل فوق كل لواء. ويلي! لقد جاهدت محمداً في داري ثلاثاً وعشرين سنة واستنصرت شياطين الإنس والجن، وحشدت جنود الباطل وخيل إلي مراراً أني أشرفت على الظفر في هذه الجموع التي تسير وراء محمد وتدعو بدعوة محمد ومن أنه يوم له ما بعده)
يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف من الحجاج إلى عرفة وهذه قبة ضربت له في نمرة فينزل بها
زالت الشمس فأمر رسول الله بناقته القصواء فرحلت فركب حتى أتى بطن الوادي وادي عرنة فوقف واجتمع الناس وأصاخوا للخطبة التي لم يخطب الرسول مثلها في مثل هذا الجمع الحاشد، والوصية العظمى التي يوصي بها الرسول أمته في حجة الوداع، والبلاغ الأكبر يوم الحج الأكبر يؤذن للناس بكمال الدين وتمام النعمة، وتمكن الإسلام ووقف ربيعة بن أمية ابن خلف على مقربة من الرسول يبلغ الحجيج بصوته الجهير مقال رسول الله
ألهم الرسول أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأن الدين قد كمل ونعمة الله قد تمت، فقال:(أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الوقف أبداً.)
وعلم رسول الله أن التوحيد الذي جاء به الإسلام كفيل بتوحيد الله على مر الدهور، وأن الكتاب الذي بلغه ضمين ألا تعبد الأوثان من بعد، وأن العقول التي حررها تستنكف أن ترتكس في أباطيل الجاهلية. فليس يخشى على أمته الشرك ولكن يخشى أن يستجيبوا للشيطان فيما عدا التوحيد في أمور يحسبونها هينة وعظيمة الأثر في نظام الجماعة وأخلاقها، حرية أن توهي القوة، وتفرق الكلمة، وتعطل العقيدة الصالحة. وذلكم كل كلمة تؤدي إلى فرقة، وكل فعلة من الظلم والعدوان أو الرذيلة والمنكر. عرف هذا خاتم النبيين فقال:(إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم).
ثم وكد الرسول ما بلغه وعلمه ثلاثاً وعشرين سنة من حرمة الدماء والأموال والأعراض. وكد ما أبطل به الحروب المتمادية، والغزوات المستمرة، والتارات المستعرة، وما هدم به جاهلية العرب هدماً، وردها شرعاً من السلام والوئام، وسلطان القانون العام، فقال: (أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وحرمة شهركم