للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحق أتقينا برسول الله (ص) فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه. ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأساً)؛ ووقفته الخالدة يوم أحد ويوم حنين فر الشجاع وارتعد الصنديد أكبر مثل وأعظم برهان

ولقد ربي الإسلام المسلمين على الشجاعة وحبها إليهم وزينها في قلوبهم (أن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنهم بنيان مرصوص) حتى جعل الجنة تحت ظلال السيوف، وما زال يربيهم على الشجاعة والقوة والمنعة إلى أن صاروا فيها مُثلاً عُلْيا وأمثالاً مرددة؛ ففرض الله عليهم أن يثبت الواحد لعشرة ولا يفر منهم، ثم خفف عنهم وأوجب أن يثبت الواحد لاثنين ولا يفر الجيش من ضعفه (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون، الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلوا ألفين بإذن الله)

وكان من أثر الشجاعة في النبي وأصحابه أن عز الإسلام والمسلمون وصاروا أمنع من عقاب الجو وجبهة الأسد، لا تلين قنانهم ولا يسلمون لمن أرادهم، فلم يضعفهم قلتهم وكثرة أعدائهم وكان للإسلام العزة وللمسلمين التمكين في الأرض.

وكان أولوا الأمر من المسلمين الأولين يحافظون على قوة نفوس المسلمين كمنبع لعز الدولة الإسلامية، ويعلمون أنهم إذا عاملوا الرعية بالقهر ذلوا لهم لغيرهم ولم يكن فيهم غناء، فبالغوا في المحافظة على روح المسلم أن تذل وكرامته أن تمتهن، بل جاوز ذلك غير المسلمين ممن تظلهم الدولة الإسلامية برعايتها. ضرب ولد لعمرو بن العاص قبطياً فبلغ ذلك الخليفة عمر بن الخطاب فأرسل إلى عمرو وابنه وقال: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ لا. بل لقد كانوا يفرحون إذا وجدوا في الأمة ما ينبئ عن قوة نفس وشجاعة قلب وجرأة على قول الحق. خطب عمر بن الخطاب في خلافته فقال: (أيها المسلمون إذا وجدتهم فيَّ اعوجاجاً فقوموني. فقام رجل من المسلمين وقال: والله لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد الله الذي جعل في هذه الأمة من إذا وجد فيَّ اعوجاجاً قومني بسيفه. وذلكم مدى عناية الإسلام بالشجاعة ومدى ما كان لها من اثر في ظهوره وانتشاره

<<  <  ج:
ص:  >  >>