وأخيراً فتح الباب وخرج منه الزعيم وخلفه رجاله. ولما دنا من وانسوس ألقى عليه نظرة احتقار ثم التفت إلى جماعة بالقرب منه وقال:
- حلوا وثاق هذا الرجل
ثم سار في عجلة نحو الباب وهو يدمدم بكلمات غير مفهومة وخرج والجميع في أثره. وقام وانسوس وهو يفرك عينيه دهشا، وبعد أن أحكم قفل الباب سار مهرولاً إلى بهو النافورة فوجد زوجته (تكفات) جالسة على إحدى الوسائد متكئة بظهرها على الحائط؛ فما شك وانسوس أن قواها خارت من الخوف. فأقبل عليها وسألها قائلاً:
- أين الأمير؟
وفي لحظة كشفت إزارها الواسع فخرج من بينه الأمير وما إن توسط البهو حتى قال:
- تالله إن عرش الأندلس لمدين (لتكفات) بهذه الحيلة لن أنسى لك هذا الجميل يا (تكفات)
فانحنت المرأة أمامه في خضوع
ووقف الأمير عبد الرحمن أمام النافورة ويداه مثنيتان إلى صدره، وقال وقد سطع على وجهه العزم واليقين في صوت ممتلئ قوي:
لقد بت أعتقد أن العناية تساعدني. فهناك على شاطئ الفرات حيث كانت فرسان أبي العباس تلاحقني أنا وأخي نجوت بأعجوبة لم أكن أحلم بها في حين أن أخي قد عاكسه القدر فقبض عليه وقتل على مرأى مني. وهنا تمر بي رجال أبي حبيب وأنا على بعد خطوات منهم فلا يخامرهم شك في أني غير موجود
وأرسلت عيناه وميضاً عجيباً، والتفت حوله وهو رافع الرأس كأسد منتصر على فريسته وقال:
- إيه أيها القدر! تعصمني والعباسيون يتهالكون على الفتك بي، يطاردوني في كل شبر من الأرض. . . إني لأرى الأندلس تدنو مني كما يدنو مقبض هذا السيف من يميني