للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لكل دين من الأديان خصوصيات وعموميات: فالخصوصيات هي اللطائف التي يتعارف عليها أبناء الدين الواحد بعضهم مع بعض، ولا يرضيهم أن تداع لضعفها عن مقاومة النقد العنيف؛ أما العموميات، فهي الأصول التي يجوز نشرها بين جميع الناس، لقدرتها على مواجهة التحامل بشجاعة وكبرياء.

والظاهر أن (الخصوصيات) هي الطور الأول من أطوار التدين، فقد كان التدين في نشأته لوناً من الانحسار عن المجتمع، وهو يوجب الانفراد والانزواء، ومن هنا كانت كلمة (الدين) مرادفة لكلمة (السرّ) عند الأقدمين. ومن هنا أيضاً كانت (العزلة) من ضروب التعبد، لأنها من فنون الاستخفاء. . . ألم تسمعوا أن الصوم عن الكلام كان من العبادات في كثيرٍ من الديانات، مع أن الكلام هو أساس التفاهم بين المتعاملين من الأحياء؟

والنفرة من الزواج عند قدماء المتدينين لها صلة وثيقة بهذا الغرض، وقد أصابت الفطرة الشعبية فيلا مصر حين سمت الزواج (دخول الدنيا)، وإنما كان ذلك لأن الزواج في العرف القديم لم يكن يأتلف مع التأهب للفناء في الدين

ومن هذه النقطة يتشعب حديث اليوم

فالنبي محمد قد اقترن بتسع نساء، قيلت في تعليل هذه الظاهرة أقوال، وأصح تلك الأقوال أنه أراد توكيد الصلات بينه وبين بعض القبائل والشعوب

ولكن يظهر أن من الممكن أن نلتمس تعليلاً غير ذلك التعليل، كأن نفترض أنه أراد أن يقضي قضاء مبرماً على الوهم الذي يقول بأن التدين لا يأتلف مع الزواج، وما كان ذلك (وهماً) من الأوهام، وإنما كان (حقيقةً) من الحقائق في صدور الأحبار والرهبان، وإليهم كان الأمر في مصاير الناس من جهة الدين والأخلاق

ولكن محمداً كان يؤمن بأن من واجبه أن ينقل المفهومية الدينية مع وضع إلى وضع، ولا يتم ذلك بغير ثورة على الترهب، ثورة ماحقة ساحقة تضيف الرهبان إلى طوائف الخصيان، وتصدهم عن الاستهزاء بالمؤمنين المتزوجين، فكان له ما أراد

ومحمد بشهادة خصومه كان من نماذج الفتوة العربية، والفتى العربي يرى الرجال قوامين على النساء، وإذاً، يجب أن يتصل بالدنيا اتصال معاش، ليكون رب البيت بحق وصدق، ولتخضع له نساؤه خضوع العبد الطائع للسيد المطاع، والرزق يذلّ أعناق الرجال، فكيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>