والحق أن للإسلام أثراً جليلاً في حياة الإنسان الدينية، ومكاناً فسيحاً في الدنيا. وله فيهما شأن عظيم سواء أكان من حيث هو دين أم من حيث هو عالَم يضم شعوباً على إيمان واحد، ومظهر أخوّتهم الدينية حجُّهم البيت في الوطن الأصلي الذي نشأ فيه دينهم: يدعوهم الإسلام فيخفّون إلى القبلةِ ويحتشدون فيها على رغم انقسامهم شيعاً ومذاهب، واختلاف نزعاتهم وتبعياتهم. فالإسلام قوة روحانية، وهو من ههنا قوة سياسية واجتماعية من الطراز الأول.
من أجل ذلك فشل طالبو محوه من الوجود ومحاربوه وجهاً لوجه؛ وأصبح في الغرب من يقول:(إن في العالم الإسلامي رجالاً لهم نزعة محمودة يعملون على التوفيق بينه وبين العالم الأوربي؛ وإن في الجانب الأوربي والمسيحي رجالاً أمثالهم يسعون سعيهم، ويدفع الجميعَ وجدانيّ واحد هو الشعور بواجب السعي في تحقيق هذا التوفيق الضروري. وإن هؤلاء الأفاضل - من الطرفين - هم وحدهم الأقدرون على تحقيق (الاتفاق) المنشود بين العالم الإسلامي والعالم الغربي المسيحي).
ويقول أيضاً إن كلمة (الاتفاق) - المطلقة المعنى الواسع العام - مستعملة عن عمد في هذا الكلام الذي لم يُرَد به سوى علاقات حسنة تسهّل الحياة فتروّج التجارة والصناعة، لأن الدين الإسلامي سلطان روحي هو من القوة وزَيْد الجدارة بالاحترام في مقام لا يمكن معه أن يُقصد هنا غير الاتفاق الودي. (ودَّتْ طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون).
وليس شك في أن العاقل يسره التفاهم بين الناس والتوفيق بين مصالحهم، وإيتاء صاحب الحق حقه لا وكس فيه ولا شطط. غير أن كلام الغربي - في هذا الصدد - يشفّ عن الحقيقة وإن ظهرت وراءه في خفاء. فعسى الساعون من رجال البلاد الإسلامية في تحقيق الاتفاق بين الطرفين أن يتبينوا هذه الحقيقة تفادياً من أن يشوب خيره شر لأوطانهم يُطيل أمْد بقائها تحت ألوان الحكم الأجنبي، وهو إسار وإن تموّهت أسماؤه الحسنى.
ذلك بعض ما يرى الناظر في ماضي الإسلام وحاضره، وما يجمعه تداعي المعاني في خاطره من حقائق عظيمة الشأن. وفي القرآن: (فذكِّر إن نفعت الذكرى، سيذكَّر من يخشى