ما أُرانا نقول إلا مُعاراً ... أو معاداً من لفظنا مَكرُورا
لأنه لا قيمة لهذه النصوص إذا لم يوجد في الشعر الجاهلي آثار من ذلك الشعر القديم تشهد بوجوده، وتبين بعضاً من حاله قبل أن يصل إلى طور الشعر الجاهلي، لأنه لا يعقل أن يطفر الشعراء كلهم إلى هذا الطور كما طفر مهلهل وامرؤ القيس وغيرهما من القدماء، ولا يوجد بينهم متخلفون قد تبثوا بشيء مما كان عليه الشعر قبل هذا الطور
فذلك الشعر القديم لابد أنه لم يكن مستقيم الوزن، ولم يكن يجري على هذه البحور التي يجري عليها الشعر الجاهلي، فأين أثر ذلك في هذا الشعر؟
وهو أيضاً لابد أن يكون مضطرب القافية، لا يجري فيها على سنن مطرد، ولا يتأنق فيها كما تأنق الشعراء الجاهليون، فأين اثر ذلك في شعرهم؟
فإذا كان ذلك الشعر قد وجد حقاً، فانه لابد أن يبقى اثر من فساد وزنه وقافيته في الشعر الجاهلي، حتى يكون دليلاً ناطقاً بأنه درج على سنة الدرج، ويكون لوجوده فيه دلالة الأعضاء الأثرية على أصلها، وهي دلالة لا تقبل شكا، ولا يمكن أن يجادل فيها أولئك الذين ينكرون صحة الشعر الجاهلي.
وقد عثرت على بعض من هذه الآثار في هذه الأيام، ولا أنكر أنها في كتب متداولة بين الناس، ولكنهم يمرون عليها ولا يعرفون قيمة دلالتها، ولا يلتفتون إلى أنها آثار من ذلك الشعر القديم الذي انطوى عنا خبره، ولا يدركون أن منزلتها في الدلالة على ذلك الشعر، كمنزلة تلك الآثار المطوية في بطون الأرض، في دلالتها على تاريخ آبائنا الأقدمين.
وممن وجد في شعره بعض هذه الآثار عبيد بن الأبرص، وهو شاعر قديم معاصر لمهلهل وامرئ القيس، وقد روي صاحب الأغاني عن محمد بن سلام أنه قال:
عبيد بن الأبرص قديم الذكر، عظيم الشهرة، وشعره مضطرب ذاهب لا أعرف له إلا قوله:
أفقرَ من أهله مَلْحوبُ
ولا أدري له ما بعد ذلك
وهذه القصيدة التي ذكرها ابن سلام أشهر قصائد عبيد ابن الأبرص، ولكنها مع هذا مضطربة الوزن، مختلة القافية، ولا يزال علماء العروض مختلفين في أمرها، فمن قائل