للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ليست بشعر

وأما القافية فإنها لدقتها كانت أحكامها تخفي على كثير من الشعراء الجاهليين، فبقي فيها كثير من آثار أولية الشعر كالإقواء والسناد وغيرهما من عيوب القافية، حتى قيل أن الإقواء كان مذهب العرب في شعرهم، ومن ذلك قول امرئ القيس:

أحنظلُ لو حامِيتمُ وصبرتُمُ ... لأثنيتُ خيراً صالحاً ولأرْضاني

ثياب بني عوف طُهارًى نقيَّة ... وأوجههم عند المشاهد غرانُ

عُوَيْرٌ ومن مثل العوير ورهه ... وأَسْعَدَ في ليل البلابل صفوانُ

فقد أصبحوا والله أصفاهم به ... أبَرَّ بأيمان وأوْفَي بجيرانِ

وكذلك كان النابغة الذيباني يقوى في شعره - وهو من متأخري شعراء العصر الجاهلي - وكان لا يعرف أن الإقواء من عيوب القافية، ومن إقوائه قوله في داليته:

أَمِنَ مَيَّة رائحٌ أو مُغْتَدٍ ... عجلانَ ذا زادٍ وغير مُزَوَّدِ

زعم البوارحُ أن رحلتنا غداً ... وبذاك خيرنا الغرابُ الأسودُ

وقوله أيضاً:

سقط النصيفُ ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتقتنا باليدِ

بمُخَضَّب رخْص كأن بَنانه ... عَنَمٌ يكاد من اللطافة يُعْقَدُ

فلما ظهر الإسلام نهض العرب ورق وجدانهم، ولطف ذوقهم، فعرفوا هذه العيوب وتجنبوها، وافتخروا بذلك على الشعراء قبلهم، كما قال ذو الرمة:

وشعرٍ قد أَرْقتُ له طريفٍ ... أجانبه المُسَانَدَ والمحالا

وقال جرير:

فلا إقواء إذ مَرِسَ القوافي ... بأفواه الرواة ولا سِنَادا

وبهذا استقامت قوافي الشعر، واتسقت أوزانه، بعد أن مر في تلك الاطوار، ولم يشذ في ذلك عن سنة النشوء والارتقاء

عبد المتعال الصعيدي

<<  <  ج:
ص:  >  >>