للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مصر الروماني في نحو الوقت الذي نتحدث عنه هو الجبر (كيروس) وهو في نفس الوقت حاكم مصر وبطريقها الأكبر. وقد استطاع البحث الحديث أن يلقي كثيراً من الضياء على شخصية (المقوقس) وأن يتعرف فيه شخصية (كيروس) نفسه؛ وإذا فالمرجح أن المقوقس الذي تردد الرواية العربية اسمه إنما هو (كيروس) حاكم مصر الروماني بيد أن هناك نقطة ما تزال غامضة هي أن (كيروس) لم يعين حاكماً لمصر إلا في سنة ٦٣١م، أعني بعد إرسال السفارات النبوية بأكثر من عامين؛ ولا يمكن أن تفسر هذه الثغرة في التواريخ إلا بأن السفير النبوي قد انفق الوقت في قطع الطريق ثم في الانتظار أو أن (كيروس) كان معينا قبل ذلك لحكم مصر بصفة غير رسمية ثم عين بصفة رسمية، بيد أن الواقدي يقدم إلينا حلا لهذا المشكل، فيقول أن سفارة النبي إلى (المقوقس) كانت في السنة الثامنة من الهجرة لا في أواخر السنة السادسة، وأواخر السنة الثامنة من الهجرة توافق أواسط سنة ٦٣٠م، فإذا أضفنا إلى ذلك موعد المسافة من المدينة إلى مصر استطعنا أن نضع مقدم السفير النبوي في أوائل سنة ٦٣١م. وعلى أي حال فالمرجح والمعقول هو أن السفارة النبوية لم توجه في مصر لأحد غير الحاكم العام، وقد كان هذا الحاكم العام هو (كيروس). ومما يؤيد هذا الحقيقة هو أن السفير النبوي قصد إلى الإسكندرية ليؤدي مهمته وقد كانت الإسكندرية يومئذ مقر الحاكم العام الروماني

اخترق حاطب بن بلتعة اللخمي مصر في شرقها إلى غربها وقصد إلى الإسكندرية ليؤدي سفارة النبي ورسالته، واخذ إلى (كيروس) في مجلسه المشرف على البحر؛ فاستقبله بترحاب وحفاوة، وتلقى منه الكتاب النبوي وناقشه في مضمونه، وسأله عن النبي ودعوته. وهنا تقول الرواية الإسلامية أيضاً كما قالت في شأن هرقل، أن المقوقس (كيروس) أفضى إلى حاطب بأنه مؤمن بصدق رسالة النبي، وانه يود لو تبعه لولا خشيته من القبط؛ ثم صرف حاطباً بكتاب منه إلى النبي وهدية يذكرها في الكتاب. واليك نصه كما يورده ابن عبد الحكم اقدم مؤرخ لمصر الإسلامية: (لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط. سلام، أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت وما تدعو إليه. وقد علمت أن نبياً قد بقى وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام. وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة؛ وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام). وفي بعض الروايات أن الهدية

<<  <  ج:
ص:  >  >>