الحبشة (النجاشي) على يد عمرو بن أمية الضمري في ذي الحجة سنة ست أعني في نفس الوقت الذي أرسلت فيه سفارة قيصر؛ ووجه النبي إلى النجاشي كتابين، يدعوه في أولهما إلى الإسلام؛ ويطلب إليه في ثانيهما أن يرسل إلى المدينة من عنده من المسلمين اللاجئين. وقد صيغت دعوة النبي إلى النجاشي في أسلوب خاص يخالف في روحه وألفاظه ما تقدم من الدعوات. واليك نص هذه الدعوة حسبما يقدمها إلينا ابن إسحاق في السيرة:(بسم الله الرحمن الرحيم - من محمد رسول الله إلى النجاشي الاصحم ملك الحبشة، سلم أنت؛ فإني أحمد الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، واشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته، وان تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله؛ وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ونفراً معه من المسلمين، فإذا جاءوك فاحترمهم ودع التجبر، فإني أدعوك وجنودك إلى الله، فقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصحي والسلام على من اتبع الهدى). وقد كان النجاشي نصرانياً، وكانت النصرانية تسود الحبشة منذ القرن الرابع. وفي الكتاب النبوي شرح لموقف الإسلام نحو النصرانية ونظريته في خلق المسيح؛ وهو موقف ليس فيه إنكار ولا خصومة جوهرية إلا من حيث الوحدة والتوحيد؛ والكتاب النبوي ينوه بهذه الوحدة. وبعث النبي إلى النجاشي أيضاً يكلفه بأن يعقد زواجه من أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت من المسلمين اللاجئين، وكانت زوجة لصحابي يدعى عبيد الله هاجر بها إلى الحبشة ثم ارتد هنالك عن الإسلام وتنصر، وتوفي مرتداً. وتقول الرواية الإسلامية أن النجاشي لبى دعوة النبي وأسلم، وبعث إليه بكتاب يؤكد فيه إسلامه، وانه حقق رغبته في تزويجه من أم حبيبة نيابة عنه، وبعثها إليه مع من كان عنده من المسلمين في سفينتين كبيرتين. بيد أنه يلوح لنا أن القول بإسلام النجاشي مبالغة يمكن أن تحمل على ما أبداه النجاشي من أدب ومجاملة في استقبال السفارة النبوية؛ والمرجح أن النجاشي لم يسلم؛ ولو أسلم النجاشي يومئذ لكان الإسلام قد غمر الحبشة كلها ولكانت النصرانية قد غاضت منها. بيد أن الإسلام لم ينتشر في الحبشة إلا بعد ذلك بعصر، وكان انتشاره في الجهات الشرقية والجنوبية فقط.
ونلاحظ أخير أن البعوث والسفارات النبوية لم تقتصر على من تقدم من الملوك والأمراء.