استسلاماً للقضاء، وتركوا السعي اعتماداً على (القسمة). و (إن الله لا يغيّرُ ما بقومٍ حتى يغّيروا ما بأنفسهم، وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له، وما لهم من دونه من وال)
ولئن سألتني بعد ذلك: هل بلَّغ العلماء رسالة الله لأقولن لك: (لا) مغلَّظة مكبرة مكررة! وأكبر الظن أنهم لا يؤمنون بأن لهم رسالة وأن عليهم تبعة
رجال السياسة يعملون بحق أو بباطل، ورجال الحكم يتصرفون بعدل أو بظلم؛ أما رجال الدين في ممالك الوطن الإسلامي كله فقد قنعوا باللقب والزي، واكتفوا بالشبع والري، ورضوا أن يكونوا متوناً لذوي الطمع، وحواشي لأولى النعمة، وهوامش على صفحة الحياة!
على أن سلطان الدين أكمل وأشمل من سلطان السياسة وسلطان الحكم؛ فإن هذين لا يتجاوزان بقعة من الأرض ولا أمة من الناس؛ ولكن ذاك ينبسط على كل مكان فيه لله ذِكر، ويهيمن على كل إنسان له في الإسلام فِكر. وعلماءُ الدين هم الطوائف التي نفرت من كل فرقة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم؛ فإذا تفقهوا ولم ينذروا، أنكروا ما خُلقوا له، وعصوا ما أُمروا به. وليس الإنذار أن يلهجوا بذكر الحساب والعذاب، وإنما الإنذار أن ينبهوا المخطئ، ويوجهوا الحائر، ويرشدوا الغوي، وينصبوا في مجاهل الأرض أعلام الطريق
لو كان علماء الإسلام يعملون لكان لهم مثل ما للمبشرين والمستعمرين والمستشرقين من المؤتمرات التي تعقد العام بعد العام، في الدولة بعد الدولة. والله قد فرض على المسلمين أمثال هذه المؤتمرات العامة بالحج. وإذا كان وفود العلماء من الأقطار المختلفة إلى إحدى المدن تعوّقه الأهواء والظنون، فإن وفودهم إلى مكة لا يعوّقه غير الشيطان، ورجال الدين والحمد لله في عصمة منه
لا بد للإسلام من مؤتمر يجمع زعماء الرأي في أهله ليجددوا ما دَرس منه، ويوضحوا ما التبس فيه، وينفوا عنه ما غشيه من أساطير القرون وأضاليل النّحل، ويجلوه للناس كما كان صالحاً للحياة، كافلاً للفوز، ضامناً للسعادة
لا نطمع أن يجتمع هذا المؤتمر اليوم، فإن الزلزلة التي لا تنفك آخذة بأقطار الأرض وأفكار الناس تجعل العقاب والسدود من دونه، ولكنا نطمع أن يفكر أولو الأمر فيه ويهيئوا