للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسيدها الأول. . . كان هذا الصديق في يوم ما مأموراً للمركز، وهو اليوم أحد كبار موظفي الداخلية، وأنها جاءت بناء على إرشاد طبيبها، وستقضي بينهم وقتاً قد يكون طويلاً. . . و. . . والكثير مما أثبتت الأيام أنه كان من نسج خياله، والنتيجة اللازمة لقلة العرض وإلحاح الطلب

ومن هذا اليوم تعودوا أن يروها عند ما يجب أن تظهر الملائكة في أقسى ساعات العمل، وفي حالات المرض والجوع والعرى التي كانت ترزح القرية تحت أعبائها الثقال، وأصبح من المألوف لديهم أن يروها بينهم في القيلولة، عندما يشتد ضغط الحياة وتتخلى عنهم السماء، تلهو معهم بالعمل وتغني وسطهم وهي تضحك، وتنثر بحيويتها الفطرية زهور الربيع على أطلال خريفهم الكئيب الدائم، وتملأ الحياة من حولهم مرحاً وابتساماً

وكثيراً ما كانت تشاهد في أزقة القرية بين الأطفال تداعبهم في لطف، وتمتحن ذكائهم في براعة، وتثير فيهم حب النظافة بالانتقاد الخفيف والمنافسة الهادئة. أو بين القرويات في دورهن تساعدهن في بساطة وألفة على تنظيم أثاثهن عندما كن يقمن بذلك أثناء زيارتها لهن

وقد كانت تجلس وسط رهط منهن تحدثهن حديثاً عادياً شاملاً وأسنانها البيضاء تسطع من بين شفتيها الخلابتين في ابتسامة مشرقة، وهن من حولها يصغين في انتباه والسرور والإعجاب يملأهن

وكان حنوها البالغ على المرضى من الأسباب القوية التي كانت تقضي سريعاً على اليأس والكآبة والمرض حتى أنه عرف عنها أنها لا تزور مريضاً حتى يشفى

ثم هي تغدق عطفها في سخاء وغزارة منزهين عن الغرض، وشعور صادر عن إحساس عميق صادق تدفعه في حرارة رغبة روحية صافية لا تشوبها ذرة مادية. ومع أن قسوة الحياة وجمود البيئة جعلت من هذه المخلوقات التعسة حيوانات ضارية فإن القلب الكبير وجد له صدى مضاعفاً في القلوب المجدبة. . . وقام هذا القطيع الكبير المنهك يستظل بحنانها، ويستمتع إلى جوارها بالنور والدفء، ويستمرئ طعم الحياة الحلو الذي فقد مجرد الإحساس بوجودها. . . وقام كل يبحث بين طيات هذه النفس الواسعة عن معنى الخلجات الغامضة التي كانت تملأ نفسه ولا يستطيع إدراكها أو التعبير عنها. . . هذه الرغبة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>