للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الامتهان، وقاسى ألواناً من الذل والهوان؛ ولكن عسى أن يكفر ذلك عنه بعض ما اقترفه، فالولد سر أبيه. . . الخ. أهـ

أقول: يظهر أن عبد البرّ كان عنده شيء من الاعتداد بالنفس والاعتزاز بمكانته وأنه نافس السخاوي مع أنه أكبر منه وأعلم، ولكليهما تآليف في علوم مختلفة. هذا إلى أني لا أنزه ابن الشحنة من بعض ما وصفه به، ولكل جواد كبوة. وكان بمصر في ذلك الحين شاعر هجاء خبيث اللسان جعل لسانه مقراضاً للأعراض اسمه عبيد السلموني؛ فكان من يتقي عرضه من كرام الناس يشتريه منه بالإحسان إليه أو بمداراته، فاتفق أن تعرض للقاضي عبد البر وهجاه بقصيدة في أولها:

فشا الزور في مصر وفي جنباتها ... ولم لا وعد البر قاضي قضاتها

فأدبه السلطان الغوري وعقد له مجلساً بحضرته في مستهل شهر المحرم من سنة ٩١٣ وأحضر عبيد السلموني هذا مكبلاً في الحديد، فأنكر أن تكون القصيدة له، فلم ينجه هذا من تعزيره وأليم تأنيبه

وللقاضي عبد البر بن الشحنة مؤلفات كثيرة، منها (شرح منظومة ابن وهبان في فقه أبي حنيفة النعمان) وابن وهبان هو القاضي أمين الدين عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقي قاضي مدينة حماة توفي سنة ٧٦٨، ومنظومته قصيدة رائية من بحر الطويل عدتها ٤٠٠ بيت، ضمنها غريب المسائل في الفقه سماها: (قيد الشرائد ونظم الفرائد)؛ ثم شرحها في مجلدين وسماه: (عقد القلائد في أصل قيد الشرائد)، ثم شرحها قاضي القضاة عبد البر بن الشحنة شرحاً حسناً قيد فيه ما أهمله الناظم في شرحه وألحق به مسائل أخرى وفروعاً غريبة، وغير ما عسر فهمه من بعض أبياته بأوضح منه، وسمّى شرحه: (تفصيل عقد الفوائد بتكميل قيد الشرائد)؛ وفرغ من تصنيفه في شهر شوال سنة ٨٨٥، ثم هذبه سنة ٨٩٥. ومن مصنفاته شرح منظومة جده أبي الوليد المتوفى سنة ٨١٥، والتي نظمها في عشرة علوم. ومنها شرح (كنز الحقائق) في فقه الحنفية (ومتن الكنز هو للإمام أبي البركات عبد الله بن أحمد الحافظ النسفي المتوفى سنة ٧١٠) وسمى شرحه (الإشارة والرمز إلى تحقيق الوقاية وفتح الكنز) ومنها (تحصيل الطريق إلى تسهيل الطريق) وهو رسالة أولها: (الحمد لله الذي سهل لمن اختار من عباده طريقاً إلى الجنة)، ذكر فيه أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>