للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من مكان إلى آخر في لحظة. ولا يقتصر القطب على سكنى أماكنه العديدة المفضلة وإنما يتنقل في أنحاء العالم بين جميع البشر من مختلفي الأديان متخذا شكلهم وملبسهم ولغتهم ويوزع عليهم بواسطة أتباعه الأولياء أحكام القدر نعما ونقما. وحينما يموت قطب يتولى غيره مكانه في الحال

ويروي الكثير من المسلمين أن إلياس، ويخلطه العامة بالخضر، كان قطب زمانه، وأنه يوليّ الأقطاب المتعاقبين إذ يقررون أنه لم يمت ويزعمون أنه شرب من عين الحياة. ويبدو أن اعتقادهم في القطب مأخوذ مما قص علينا في التوراة عن إلياس ورفعه إلى السماء، وانطلاقه من مكان إلى لآخر تحمله روح الله، ومنحه أليسع سلطته الخارقة للعادة وتقليده إياه وظائفه، وخضوع الرسل الآخرين له ولوليه المباشر. وينبذ بعض الأولياء لذات الدنيا وصحبة الإنسان ويعكفون على التأمل في السماء وينقطعون للصلاة متوكلين على العناية الإلهية لسد حاجاتهم، إلا أن خلوتهم تعرف فيحضر العرب لهم الطعام يومياً. وهذا يذكرنا مرة أخرى بقصة إلياس إذا وضعنا كما يرى بعض الناقدين، كلمة (عرب) بدلاً من لفظ (غربان) في الآيتين الرابعة والسادسة من الإصحاح السابع عشر من سفر الملوك الثاني: (وقد أمرت (العرب) أن تعولك)، (وكانت (العرب) تأتي إليه بخبز)

ويقال إن القطب يكلف بعض الأولياء القيام ببعض الأعمال الشاقة حسب قول محدثي، ويقال لهؤلاء الأولياء (أصحاب الدرك)، وقد فسرت لي هذه العبارة، ولا أعلم على أي أساس، بمعنى المراقبين. وقد حكى لي الحكاية التالية لبيان وظائف هؤلاء قال: اشتدت رغبة أحد تجار هذه المدينة الأتقياء في أن يصير ولياً، فتوجه إلى آخر ينتمي لهذه الطبقة المقدسة فتوسل إليه أن يساعده على التشرف بمقابلة القطب. وبعد أن احتمل الطالب امتحاناً صارماً لمعرفة بواعثه طلب منه أن يتوضأ مبكراً في الصباح التالي ثم يقصد مسجد المؤيد حيث يوجد بإحدى زواياه باب زويلة أو المتولي السابق ذكره، فيقبض على أول من يراه خارجاً من الباب الكبير لهذا المسجد. وفعل الرجل ما قيل له، وكان أول من خرج رجل شيخ مهيب المنظر ولكنه رث الثياب يلبس زعبوطاً من الصوف أسمر اللون، وقد دل ذلك على أنه القطب. فقبل الطالب يده وتضرع إليه أن يقبله بين أصحاب الدرك. فقبل القطب التماسه بعد تردد طويل ثم قال: (التزم القسم الذي يشمل الدرب الأحمر وما

<<  <  ج:
ص:  >  >>