ولكن؟. . . كيف تقوى على النهوض؟. . . ومن أي ينبوع تستقي ذلك العزاء الذي يلمع في نظراتها كلما همت بالذهاب؟. . . لشد ما أريد أن أتبعها، وأن أصرخ في وجهها:(لا عزاء أيتها المجنونة البائسة!) ولكن. . . وأنا. . . أنا وقد اعتدت أن أحج كل يوم إلى هنا. . . عم أبحث إذن؟. . .
أولئك النساء ذوات البراقع الحريرية، والقفازات السود، يضايقنني كثيراً. . . لا ريب أني مثلهن، شاحب اللون، منتفخ الأجفان، ولكني وأنا ثمل بشيء سام، منقطع النظير، لا أتحمل هذا التأثر الذي يرتسم على وجود الآخرين، فأنظر بشيء من الحسد إلى كل من تهزه الرعشة التي تهزني. . .
والآن، فإن ثائرتي لتثور لمجرد الافتكار بأن جميع هؤلاء الذين يتيهون بين الأضرحة يفترسهم نفس الألم الذي يفترسني، ذلك الألم الخالد الذي نعجز عن التعبير عنه! أوه! يا للرحمة!. . . جميعهم يتألمون كما أتألم، والأيام تمر، فتجلب أفكاراً جديدة. . . وتبعث آمالاً جديدة. . . وتعيد بصورة أكيدة، ربيعاً ينشر خضرته الصفيقة أمام أبصارنا. . . فيعود الهواء فاتراً، وتعود الأزهار تعطر الجو بأريجها. . . وتعود النساء تبتسم كما كانت تبتسم من قبل. . . فنخدع عن أنفسنا مرة ثانية. . . نخدع عن أنفسنا، وننسى حزننا!!
أقف دائما على بعد بضع خطوات من النجف الذي يواريها. . . عندما يوضع الحجر أستطيع أن أتكئ على درجات الضريح الباردة، وأستطيع أن أنحني على قبرها، وأن أجثو أمامه. . . أما الآن فلا أجرؤ على الاقتراب خشية أن ينهال الحصى على نعشها. . . ورغم ذلك، تنتابني بعض الأحيان رغبة شديدة، لا تقاوم، للارتماء على ذلك النجف، ونبشه بأصابعي. . . إن ألمي لا يعرف الصبر، ولا يجد إلى العزاء سبيلاً. . . إنه ألم وحشي تصطك له أسناني. . . أصبحت أبغض كل شيء. وجميع الناس وعلى الأخص أولئك الذين يتألمون مثلي!!!
هؤلاء الرجال والنساء، والأطفال، الذين أصادفهم كل يوم يثيرون حفيظتي. . . ليتني أستطيع أن اطردهم. . . إن الحزن ليضيّق علي الخناق وبصورة خاصة، عندما يخطر لي أن أحدهم ربما كان قد زار المقبرة للمرة الأخيرة البارحة إذ أحست بسكون ألمه، ولاحظ أنه يخف من يوم لآخر، وهو يعود من مدينة الأموات فعاد منها لا يتألم. . . واستيقظ مع