فالمفروض على أدباء الشيوخ خاصة أن يزيدوا إنتاجهم لا أن ينقصوه؛ ولو أريد من الأديب أن يؤلف في سن المرانة والابتداء، ثم ينقطع عن التأليف بعد النضج والاكتمال، لكان هذا بدعة أخرى من بدع انقلاب الأحوال التي حقت على المتخلفين من شعوب الشرق أجمعين.
وإذا كان الغرض هو الكتابة في الصحف دون التأليف والتصنيف فليس بصحيح أن شيوخ الأدب يحتكرون الكتابة الصحفية أدبية كانت أو غير أدبية بأي معنى من معاني الاحتكار. بل ربما اقترنت بكل مقالة يكتبها أديب مشهور خمس مقالات أو ست أو سبع يكتبها أدباء ناشئون أو غير مشهورين، وتكفي مراجعة قليلة للصحافة اليومية والأسبوعية والشهرية لتصحيح الخطأ في هذا الباب.
أما أن أدباء الشيوخ لا يبذلون جهداً في تسديد خطى الكتاب الناشئين فما هو هذا الجهد المطلوب؟ وعلى من التبعة إن صح أنه دون الكفاية؟
أي جهد يسدد الخطى إن لم يسددها التدريس للطلاب أو الكتابة لمن يقرأ ويستفيد؟
أما التسديد بالمحادثة والمناقشة فما هو الجهد الذي يطلب فيه من أدباء الشيوخ؟ ولماذا نعرض هنا على الأديب الشيخ أن يجتهد ليبحث عمن يسدد خطاهم ولا يفرض على الناشئ أن يجتهد ليبحث عمن يسدد خطاه إذا اتسع له الوقت وساعفته شواغل الحياة؟
إن الكتاب الذي أشار إليه صاحب الخطاب لا يصلح للتمثيل به في هذا الصدد من أي ناحية من نواحيه. فهو كتاب يشمل الشعر منذ خمسين سنة ولا ينحصر في شعر هذه الأيام؛ وهو كتاب ندب الشاعر (يتس) لتأليفه ولم يفرغ لتأليفه ولا كان في وسعه أن يفرغ له لو لم يندب لهذه المهمة معفي من تكاليفها ونفقاتها التي يعجز عنها. وهو بعد هذا وذاك كتاب يشتمل على أسماء أناس لا يعدون من الناشئين سواء من ذكرهم صاحب الخطاب أو لم يذكرهم في خطابه. فروبرت بردج مات قبل تأليف الكتاب وعمره ست وثمانون سنة، وروبرت بروك - إن كان هو المقصود دون روبرت بردج - مات في الثامنة والعشرين وليست له في الكتاب غير قطعة واحدة. وولتر دي لمار كان يدلف إلى السبعين عند ظهور الكتاب، وقد بلغها هلير بلوك في ذلك الحين. وليونل جونسون قد توفي قبل ظهور الكتاب بنحو أربعين سنة وهو في الخامسة والثلاثين، وأرنست دوسون توفي في نهاية القرن