الحقيقة والظاهر، والغنى، والفقر، والتسول، والمال، والرذيلة، والعالم الخفي، والعالم الأنيق، كذلك عادت الرواية المسرحية إلى معالجة موضوع القصص الدينية القديمة. ومن الصعب أن نقول إلى أي حد ترجع هذه الصور والمسائل إلى أثر الفلسفة والتيوسوفية، والى أي حد تمثل فقط الحقيقة المروعة لأيام الحرب وما بعد الحرب، وعلى أي حال فقد كانت الحقيقة هي أعظم غذاء لهذه الآثار كلها. فلما تغيرت هذه الحقيقة في سنة ١٩٢٤ غاضت هذه الآثار كما يغيض الطيف. أما في دوائر الأدب الرفيع فقد اضمحلت الحركة منذ سنة ١٩٢٢، وكانت في الواقع ظاهرة الفراغ. ذلك أن الدأب على تصوير ضعف الأخيار وبؤسهم، وكونهم يكافحون في عالم قاس أضحى نغمة قديمة مضحكة بغيضة وغدا الاشتقاق من العالم الخفي ومجتمع الفقر والرذيلة فناً سهلاً وغدا يشف من ثمرات كل عام عن ضعف ذهني سيئ. أما الرجال الذي عنوا بمعالجة مشاكل هذا العصر فقد توفروا على دراسة الاقتصاد والتاريخ والفلسفة. ومن ثم فقد انهارت دعائم هذه الحركة التي قامت فطيرة مغرقة. وكان أسلوبها الذي غفل عن الصقل والغاية أحب الأساليب إلى العاجزين. وهكذا سرعان ما غدت حركة (التعبير) لا تعني شيئاً سوى (الفقر الأدبي).
- ٦ -
بيد أن العصر الجديد (منذ سنة ١٨٢٤) عاد فأخذ يتلمس طريقه إلى التقاليد القديمة في حذر بل في روعة. ولما توطدت دعائم الظروف الاقتصادية عاد العمل والحياة فاستقاما ببطء، وعادت الأرزاق الدنيوية تسترد مكانتها وقوتها بعد أن غدا الحصول عليها ممكناً. وغاض الشعور بأن كل شيء يضطرب ويهتز؛ وأخذ الإنسان ينظم شأنه في العالم، وكان لذلك أثره في تقدم الآداب ما بين سنتي ١٩٢٤ و ١٩٣٠.
عاف الإنسان الأحلام، وأخذ يقدر الحقائق ويقدر أساتذة الكتاب. وسئم الإنسان الاتهامات الخطيرة وكذلك الوعود التي ليست أقل منها خطورة وعاد يروض نفسه على تذوق العواطف الطبيعية وعلى تقديم الجهود المحدودة ولكن السليمة. أجل، سئم الإنسان إغراق العصر الذاهب وقبحه، وأخذ يقدر احتشام العاطفة وقيمة البيان، وقضى على ذوي الغي والقصور وعاد الإنسان يطلب الصقل والتهذيب.
وإن الإنسان ليشعر في هذه الأعوام الأخيرة إلى أي حد كان أولئك الناس يغرقون في