للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الموطن مهيأ دائماً. أما إذا كان فوق الصعيد فإن أصحابه يجعلونه جرة عظيمة، ثم يسنمونها على هيئة مخروط ثم يسيّعونها ويصمدونها، حتى إذا نزلت بها نوائب الجو من مطر وثلج وبرد ورياح قاومتها أحسن مقاومة ودفعت أضرارها على أتقن وجه وأسدِّه

فتسمية أبناء الرافدين هذين الضربين من مخزن الطعام لا غبار عليه وإن اختلفت هيئتهما لأن أصل التسمية صار يقع على معنى (المخزن) الحافظ للغلة، أياً كان شكله. ولهذا فالعراقيون يحتفظون بهذا الاسم لقدمه عندهم، ولصحة عربيته، ولبقاء الأسماء على مسمياتها وإن اختلفت صورها وأشكالها وكيفية اتخاذها

وأهالي شمالي العراق يسمون مخزن الطعام على وجه الأرض اللوث، وتلفظ بالفتح أي ويجمع على ألواث على ما أفادني ولدي بالروح (ميخائيل حنا عواد) وهو من نوابغ الشبان، ويصنع بأن تحفر دائرة في الأرض عمقها بين ١٠ و ١٥ سنتمتراً تسع الكمية الموجودة عند صاحب الطعام، ثم تكدس الغلات شيئاً على شيء من تبن أو شعير أو حنطة وتجمع على هيئة مخروط ويُسيع خارجها ويصمد، حتى إذا جاءت الأمطار وانحدرت عليها ولت في وجهها بسرعة من غير أن تبقى فيها أثراً. والذين يكدسون الأطعمة على وجه الأرض من حنطة أو شعير يكونون أرباب حول وطول، ولهم نواطير أقوياء يذوبون عنها اللصوص والسراق. وأما الذين لا نواطير لهم فيجعلونها في جالأت (جمع جال) يحفرونها في الأرض ويقيدونها بالقار الحسن منعاً لتسرب الماء والرطوبة إليها وجال (ويقال جاله وجالو) كردية معناها هذه الحفيرة واللوث من أصل عربي فصيح معناه في أصل وضعه: القوة والشدة لأن جمعك الشيء على الشيء الأخر تعصبه وتشده، ومن هذا أيضاً قولهم: هذه ناقة ذات لوثة إذا كانت كبيرة الشحم واللحم معصوبة مشدودة ولا يمنعها ذلك من السرعة فهي صفة حسنة لها وقد ذكر لي ولدي ميخائيل أن بعض المزارعين في أنحاء بغداد يسمون (المطمورة) التي تقام على سطح الأرض (جبراية) والجمع جباري. وأما أهل ديار المنتفق في جنوبي العراق فينطقون بها على أصلها الفصيح بالميم، أي أنهم يقولون (جمرية) وهي من مادة جمر أي جمع شيئاً على شيء، ورفع رأس المجموع. وهذا التحقيق من وحي المؤرخ المحقق الأستاذ يعقوب نعوم سركيس حفظه الله ورعاه

ومما ذكره لي ولدي بالروح ميخائيل عواد أن لأهالي تكريت ومن في أنحائها لفظاً آخر

<<  <  ج:
ص:  >  >>