ساعتين ونحن نلهث لهثا شديدا من فرط ما أصابنا من الإعياء، وقبل بلوغنا القمة اجتزنا فجوة في الجبل دخلنا منها إلى رحبة فيها كنيسة وحديقة صغيرة ينمو فيها شجر السرو، تسقى من نبع يفيض ماؤه العذب على جوانب الصخر.
استرحنا قليلا ثم استأنفنا الصعود، وبعد نصف الساعة تقريبا وقفنا على قمة جبل موسى، وهي على ارتفاع ٢٢٠٠ متر من سطح البحر (نحو ٨٠٠٠ قدم) وكان الهواء باردا والسماء صافية والشمس تؤذن بالمغيب. فأجلنا النظر فيما حولنا، فكان منظرا ساحرا بديعا لم تر العين أجمل منه، فضوء الشمس ينعكس على القمم بلون أحمر كلون الشفق، وعلى جوانب الجبال بلون أزرق قاتم كالدخان وبلون أحمر مشرب بالزرقة على الربى والتلاع، وفي الجنوب البعيد ماء البحر الأحمر يتلألأ تحت أشعة الشمس، ومن تحتنا تتقابل الوديان وتتقاطع متجهة كل صوب كأسارير الوجه العجوز فلما عدت إلى نفسي وجدتني مسند الظهر إلى حائط مسجد صغير، وعلى بعد خطوات منه كنيسة صغيرة كذلك، فلم أتمالك ان دخلت المسجد أنا وصديقي الأستاذ فريد أبو حديد (ألبسه الله ثوب العافية) وركعنا لله ساجدين بقلوب خاشعة ونفوس طافحة بالذكريات التاريخية والدينية، وعند خروجنا من المسجد لمحنا جماعة من البدو رجالا ونساء وأطفالا وقد جلسوا في وهدة تحت جدار المسجد من جهته المقابلة، حول نار أوقدوها للتدفئة فلما رأونا هبوا إلينا مهللين مكبرين، فصافحناهم وتبادلنا وإياهم التحيات والتمنيات، ثم سألناهم عن سبب وجودهم، هنا في هذا البرد القارص، فقالوا قد جرت العادة من قديم الزمان أن نجتمع هنا يوم وقفة عيد الأضحى المبارك، ثم نقضي الليلة، وفي الصباح نصلي صلاة العيد في هذا المسجد العتيق وننحر وبعد تبادل التهنئات والدعوات الصالحات نتفرق عائدين إلى ودياننا.
ملأنا العين بهذه المناظر الفريدة ثم عدنا أدراجنا إلى الدير وقد غابت الشمس وظهر القمر، فكان الهبوط أسهل من الصعود وأكثر خطرا بسبب الظلام.
في صباح اليوم الخامس جلنا في الدير ومشتملاته وملحقاته. فالدير نفسه من حيث هندسته وأسواره وطرقاته ومخابئه وأقبيته وسلالمه الحلزونية الكثيرة وأبراجه وعيون المدافع ومواضعها أكثر شبها بالحصن منه بالدير، والحقيقة أنه بني ليكون معقلا للرهبان يقيهم غزوات البدو، والمشهور أنه بدئ في تشييده سنة ٥٢٧ ميلادية أثناء حكم الإمبراطور