للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذي ارتفع ذكره ودوى صداه!

فهتف (بيتركين) في دهشة: ولكن. . . قل لي يا جدي علام اصطرع هؤلاء الرجال. وفيم استباحوا لأنفسهم أن يَحْضَأُوا نار هذه الفتنة المبيرة، ويتساقوا بأيمانهم كؤوس المنية دهاقاً؟. . .

وأصغتْ ولهلمينا إلى الجواب في لهفة، وقد حدقت في وجه جدها بعينين مستطلعتين

قال الشيخ الهرم: هذا سؤال لا يحضرني جوابه؛ ولكني سمعت الجميع يقولون: إنه كان انتصاراً رائعاً تردَّد صداه في كل مكان. . .

كان أبي يقيم يوم ذاك في (بِلِنْهايم) خلف هذا المجرى القريب؛ ولقد أضرم المتحاربون النار في بيته حتى تداعت أركانه وانهار بنيانه؛ فلاذ بأذيال النجاة، وشرد هائماً في السهل العريض، مع زوجة مكروبة، وطفل مزءود، يطاردهم الموت أنى ذهبوا، وتسد عليهم كوارث الحرب كل مسلك. . . فما يملكون لها دفعاً، ولا يجدون لهم من دونها موئلا. . .

لقد فعل الحديد والنار فعلهما في هذه الأنحاء، وانبثت نذر الهلاك والدمار فيها طولاً وعرضاً؛ حتى لذهلت كل مرضعة عما أرضعت، ووضعت كل ذات حمل حملها. ولكم من شيخ مات إعياء وضعف؛ وطفل اخترم جزعاً وخوفاً. . . ولكن أشياء كهذه تحدث دائماً - كم تعلمان - عند كل انتصار كبير!

إنهم ليتحدثون في ارتياع وذهول، عن بشاعة المنظر الذي كانت تقع عليه العين يوم انجلى غبار المعركة عن أكداس فوق أكداس من أشلاء ممزقة، وهامات مفلقة؛ قد صهرتها حرارة الشمس، ودب فيها دبيب البلي. ولكن هكذا الشأن في كل نصرة: مسرة تحفها الآلام، ونعمة يعاتقها الشقاء، وتسد سبيلها الكوارث والمفجعات. . .

لقد طوقت هذه الحرب (دوقَ مارلْبوردُ) بهالة من المجد والفخار، وأكسبه صدق بلائه فيها محبة وثيقة من كل قلب، وثناء رطيباً على كل لسان. وكذلك حظي أميرنا المحبوب (أُوجين) بقسط من الحمد عظيم، ونصيب من الثناء وافر. . . فاعترضت ولهلمينا تقول: عجباً! وفيم كل هذا؟ لقد ارتكبا والله شناعة، وأتيا أمراً إدَّا.

قال الشيخ في حدة: كلا، كلا يا فتاتي العزيزة؛ إنه لانتصار رائع وفوز مبين؛ وإن الجميعَ ليثنون على الدوق الشجاع الذي بلغ بمقدرته تلك الغاية، وسجل هذا النصر الأغر. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>