للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومساكن، وهناك الرأس أجنبية واليد مصرية، وهنا الحال كذلك

وتقع سفاجة فوق البحر على سفح جبل عال من الجرانيت وأمامها جهة الشرق جزيرة طويلة مرتفعة، وهي كالغردقة طلقة الهواء خفيفة الروح

ولسفاجة مرفأ حسن نصبت فوقه الروافع القوية ومدت عليه سكة حديدية، وعلى مقربة منه تقوم مخازن الشركة ومصانعها ومكاتبها ومقطرات الماء (الكوندسة)

نزلنا نقطة بوليس مصلحة الحدود وبعد راحة قصيرة ذهبنا إلى المرفأ حيث كان في انتظارنا سفينة شراعية من مراكب الصيد فسارت بنا صوب الجزيرة في بحر مضطرب، وبعد ساعة أرست أمام شاطئ مرجاني، فانصرف بعضنا إلى الجزيرة للرياضة وصيد الطيور، ومكث البعض الآخر في القارب يلهو بصيد السمك بالشص، وانتجعت ناحية في المركب قرب مقدمها، وجلست أسرح البصر في البر والبحر - كان المنظر بهيجاً حقاً يملأ النفس انشراحاً وحبورا، فجهة الغرب سفاجة بمنازلها ناصعة البياض، ومن خلفها الجبل قائم كالستار الأسود فبدت البلدة أشد ما تكون وضوحاً وتحديداً ومن تحتها البحر يمتد في زرقة نضرة إلى الأفق جهتي الشمال والجنوب، وفي محاذاة البحر شاطئ متجعدا متعرجا في نتوء وانحناء، ومن وراء الشاطئ سلسلة جبال العرب تسمو في عظمة تتضاءل مع مد النظر حتى تصير هي والبحر خطين متوازيين يلتقيان والسماء، وجهة الشرق جزيرة سفاجة في صفرة شديدة تنعكس صورتها في الماء فيبدو أخضر قاتماً، والقارب فوق الماء كالأرجوحة يعلو ويهبط في رفق وهوادة، والموج يلطم جانبيه في توقيع كالنقر على الدف ونسيم بليل عليل يخدر الأعصاب ويثقل الجفون ويجعل النوم أشهى ما يكون - فاتكأت بظهري على (برميل) كان بجانبي والنوم يغالبني، فكنت أغفو تارة وأصحو أخرى، وقد مرت على ساعة هكذا وأنا في سعادة ما بعدها سعادة.

كان شريكي في (البرميل) أحد نوتية القارب جمعت سحنته كل مميزات عرب الحجاز من سكان السواحل، فوجه طويل نحيف تحيط به لحية شعثاء خفيفة وعينان صغيرتان براقتان في حاجر بارز فوقه حاجب غزير الشعر، وبشرة نحاسية صقيلة وجسم ناحل دقيق، وصاحبي رقيق الحال لا يستر جسمه سوى أسمال من بقايا ثوب عتيق أطرافها وخاط فتوقها على غير انتظام بغرز طويلة، فكانت معرضاً لأنواع الخيوط وألوانها، كان جالساً

<<  <  ج:
ص:  >  >>