أساس الملك حقاً، وإن الرفق أولى بإنماء الجباية من التعسف والتكالب. فقد يأخذنا العجب حين نرى الجباية قد بلغت - على عهد الإسلام - مبلغاً لم يحلم به القياصرة والأكاسرة، وهم الذين كانوا يستنزفون أموال الناس بالباطل، وهم على زعمهم غانمون. بلغت الجباية على عهد المأمون - حسب قائمة أبن خلدون التي أوردها في تاريخه - ما يناهز الأربعمائة مليون درهم عدا الحيوانات والسلع والعروض، وهي أموال طائلة لا يجوز مقارنتها بعملة اليوم لأن الدرهم كان حينذاك ذا قوة شرائية كبرى.
ولا يخفى أن هذا المبلغ كان حصة الخزينة المركزية الخاصة بالخليفة، حيث تأتي إليه خالصة بعد الإنفاق على إدارة الحكومات المحلية وإعانة الفقراء فيها. هي حصة الخليفة وحده يتصرف بها كما يرى في تدبير الشؤون العامة. فيا ليت شعري كم هو مجموع الجباية العامة إذاً قبل الإنفاق!
هذا مع العلم أن أقصى ما وصل إليه مجموع الجباية العامة عند الرومان في عنفوان مجدهم لم يتجاوز الأربعمائة مليون درهم، وهم الذين كانوا في دقة القانون وبراعة الإدارة مشهورين.
أليس في هذا حجة بالغة على أن العدل أساس الملك، وأن الرفق أولى من التعسف في إنماء الجباية