للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أولئك وهؤلاء من طبقات الناس، فأن استطعت أن تجده أو تجد صورة من صوره فأنت منصف حين تلوم الأدباء على القصور، وتعيبهم بالفتور. على أن شيئين لم يهملهما الأدباء حين تحدثوا عن هذا الاجتماع، إن كانوا قد تحدثوا عنه بالفعل أو خاضوا فيه حقا، ولم يكن هذا الحديث الذي أنقله عنهم خيالا فاترا فتور حياة الأدباء كلها في هذه الأيام. فأما أول هذين الشيئين: فهو أن هذا الاجتماع إنما كان أثراً من آثار الشباب، ومن آثار الشباب وحدهم. هم الذين فكروا فيه، وهم الذين دعوا اليه، وهم الذين ألحوا في الدعوة، فوفقوا إلى إكراه جماعة من الكهول والشيوخ على الاستجابة لدعوتهم، وظفروا من جماعة أخرى بالوعود والأماني التي لم يقدر لها الوفاء ولا التحقيق، ولم يظفروا من جماعة آخرين بوعود ولا أمنية، فضلاً عن الوفاء أو التحقيق.

وأما الشيء الثاني فهو أن هذا الاجتماع لم يحدث في الأدب حدثاً، ولم ينتج له جديداً، إلا كلمة طريفة قيمة مؤثرة، قالها صديقنا مصطفى عبد الرزاق. فأما ما دون هذه الكلمة فلم يكن شيئاً، حتى أن صديقنا مطران لم يستطع إلا أن يعيد على السامعين قصيدة رائعة بارعة من غير شك، ولكنها قديمة، أنشئت وأنشدت لاستقبال مختار حين عاد ظافراً يستقبل المجد. ثم استخرجت وأنشدت لوداع مختار حين استأثر به الموت، فولى يودع المجد ويودع الحياة والغريب أن هذا الاجتماع كان لتكريم الفن، ولتأبين المثال الأول في تاريخ مصر الحديثة، المثال الذي ابتكر من الآثار ما يقال أنه جميل رائع ينطق البكم ويثير حس الذين لا يثور لهم حس، ويفيض شعور الذين لا يفيض لهم شعور، ومع ذلك فهو لم ينطق أدباءنا - وما أكثر ما كانوا ينطقون - ولم يثر حسهم - وما أكثر ما كان يثور. ولم يفض شعورهم - وما أكثر ما كان يفيض. تساءل الأدباء عن مصدر هذا في السر أو في الجهر، في النوم أو في اليقظة، في الحقيقة أو في الخيال. فكان الجواب أن مصر الآن نائمة تستريح.

ثم مضى يوم ويوم من الأسبوع، وإذا الأدباء ينسون حديث مختار أن كانوا قد ذكروه، لأن حديثاً آخر قد فتحت لهم أبوابه، ومدت لهم أسبابه، وهو حديث صحيفة اضطرها حكم القضاء إلى الصمت. فتفرق كتابها، وانتشر أصحابها في الأرض يبتغون من فضل الله عليهم وعلى الناس، وسكت هذا الصوت، أو هذه الأصوات التي كانت تسمع مع الصباح

<<  <  ج:
ص:  >  >>