بينه وبين الأدب، ولا صلة بينه وبين السياسة، ولا صلة بينه وبين شيء مما يعنى به الناس الممتازون في هذا البلاد الآن، وهو حديث المنجمين. لا تعجب وتأخذك الدهشة، فقد فكرت في المنجمين وأطلت التفكير. ألم تزعم لنا الصحف أن السلطان يطارد التنجيم والمنجمين في مصر؟ فما يعني أن أفكر في التنجيم والمنجمين وأنا أقرأ في الصحف الأوربية أن التنجيم ينهض في أوروبا بعد كبوته ويستيقظ بعد نومه الطويل، ويسترد مكانته العليا في قصور الملوك ودواوين الوزراء، أستغفر الله، بل في ميادين القتال، بل في الجامعات أيضاً. فهذه صحيفة فرنسية - النوفيل ليترير - تحدثنا بأن صاحب الجلالة جورج الملك الإمبراطور، قد عنى بالتنجيم وحديث المنجمين، فأبى أن يسافر أبنه إلى أستراليا في يوم كان المنجمون يخافون منه الشر، واحترقت فيه طيارة فرنسية كانت تحمل حاكم الهند الصينية العام.
والصحيفة نفسها تحدثنا بأن الزعيم الإيطالي العظيم يحفل بالتنجيم والمنجمين، كما يحفل بالسياسة والساسة. وهي تحدثنا بان الألمانيين كانوا قد ألحقوا بقيادتهم العليا أثناء الحرب منجمين، وكانت كلمة هؤلاء المنجمين مسموعة، وكانت وعود المنجمين لقواد الألمان أصدق من وعيد المنجمين للمعتصم بن الرشيد. والصحيفة نفسها تحدثنا بأن الألمانيين أنشئوا كرسياً للتنجيم في جامعة برلين سنة ١٩١٨. ثم الصحيفة نفسها تلوم فرنسا لأنها لا تعني بالتنجيم والمنجمين عناية الإنجليز والإيطاليين والألمان، فكيف لو علمت هذه الصحيفة أن المصريين يعدون التنجيم أثماً، ويرون المنجمين جماعة من المتشردين؟ إلا يؤذن لنا في أن نلفت السلطان إلى أنه ليس من الضروري أن يكون بيننا وبين الأوروبيين هذا الأمد البعيد فنحارب التنجيم ونعرض عنه حين يؤيده الأوروبيين ويقبلون عليه. أليس من الخير أن يكون لكل وزارة منجمها؟ بل مالنا وللوزارات ومنجميها؟ ألسنا نرى أن التحدث إلى النفس في التنجيم والمنجمين خير من التحدث أليها في الأدب والأدباء؟