للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أقسم أني لا أدنس هذه الأدوات. وإنما استخدمها في خلق الجمال والمنفعة للناس).

ثم يستطرد غاندي في ذكرياته:

لقد عرفت العهد السعيد الذي كان فيه ناسجو الشيلان مثلاً في عداد الفنانين، أي صنو المثالين والرسامين سواء بسواء.

وكانوا يجلسون صبيانهم حول المنسج يمسك هذا كبة الصوف الأزرق، والآخر والأحمر، وذاك الصوف المعصفر، وذلك الأخضر. . .

وفي صباح كل يوم قبل البدء في العمل، يرفع المعلم الشيخ عصاه. فيسود السكون مطلقاً شاملاً. هذه آونة التأمل، ثم تعقبها الصلاة. فيبتهلون إلى الله أن يعينهم على صنع ما هو جميل ونافع للناس. فإذا فرغوا من الصلاة، أخذوا في الإنشاد على فريقين سائل ومجيب:

- ماذا تنسجون؟ ننسج السماء ونجومها

- ماذا تنسجون؟ ننسج الأرض وزهرها

- ماذا تنسجون؟ ننسج البحر وحيتانه وسفائنه

والصبيان يداولون خيوط الصوف، كل في دوره، في حركة موزونة موقعة. والمعلم جالس في وسطهم يضبط الإيقاع، وينظم بعصاه الصغيرة حركة الذهاب والإياب للخيوط المتداولة زرقاً وحمراً وخضراً. . فتتولد شيئاً فشيئاً قطعة موسيقية من النسج عجيبة التأليف من الشيات والألوان.

ويتجدد هذا العمل كل يوم بين الصلاة والإنشاد

وبعد أسابيع ثلاث يتم الشال. وإذ ذاك يستعرضه كل صبي ويقلبه بين يديه معجباً بجماله، هذا صنيعهم أجمعين. وهم يحبونه كأنه مخلوق حي لا تقوم نفاسته بثمن، فيرمقونه طويلاً بأنظارهم، ويمسحون عليه بأيديهم، ولا تكاد تطاوع أنفسهم على التخلي عنه

ويقول المعلم الشيخ: - هيا أطلقوا عليه اسماً.

فيقول الشيخ: - بل نسميه (البهيج) أليس هو وليد البهجة وصنع الفرحة والحبور؟

فيهتف الجميع استحساناً، ويمضي الشال في طريقه إلى الدنيا الواسعة، ويأخذ المعلم وصبيانه من جديد في عملهم. وهكذا في كل ثلاثة أسابيع يطلعون الدنيا آية جديدة.

عبد الرحمن صدقي

<<  <  ج:
ص:  >  >>