وأفضل ما يضرب به المثال في هذا المجال، ذلك الباعث الأول والدافع الأصيل في النفس وأعنى به (الغريزة الجنسية) فإن إشباعها وإرواءها مما لا مفر منه ولا محيص عنه. فإذا اصطدمت هذه الغريزة بما حال دون الإفصاح عنها، واضطرها إلى التواري من مجرى الشعور إلى ما وراءه - أبت وهي في قاع النفس إلا أن تضطرب وتلتهب وترسل في وسطها المظلم تيارات خفية من الأوامر والنواهي، تظهر على المصاب عند تلبيتها بمظاهر الشذوذ
فنحن نبدو عاجزين عن معالجة العليل إذا فصلنا الشذوذ عن الرغبة الغريزية التي تحيط به وتغذَّيه؛ فالإصلاح يجب ألا يتناول الخلق ذاته، وإنما يجب أن يتجاوزه إلى ما وراءه من بواعث خفية هي ولية الأمر في كل شذوذ عن المجموع، وفي كل ظاهرة تمر، وأخرى قد تصل إلى مرتبة الجنون، أو تؤدي إلى ارتكاب الجريمة
وقد ظهر أن هذه الغريزة قد تستفيد طاقتها وتستفرغ وسعها في صور شتى هي خلاف اجتماع الذكر بالأنثى، كالانصراف إلى الرياضة، والاشتغال بالفنون الجميلة؛ فإذا نحن عرفنا مصدر الشذوذ في الخلق وأرجعناه إلى ظمأ هذه الغريزة، كان في مكنتنا تسوية هذا الشذوذ بإزالة ذلك الظمأ. . . تلك هي الطريقة الصحيحة في تقويم ما أعوج وبناء ما انهدم من جوانب أخلاقنا واتجاهاتنا وأهدافنا في الحياة. والأمر أهون مما يُظن متى كشف عن دخيلة النفس، واستجيبت دعوة تلك الرغبة بما يرفع عنها الضغط ويعلو بها القاع