(الخطيئة التي كُتِبَ على كل فنّان أن يحمل وزرها. . . الافتتان بالنفس، الافتتان بالذات!) ولولا صدور هذين الاعترافين لما حُكِم على (بجاليون) المثال العبقري الحي أن يموت وعلى آيته (جالاتيا) الخالدة أن تحطم تحطيماً!
تلك هي الفكرة الرئيسة التي تقوم القصة عليها؛ ولكن ليس معنى ذلك أن الأفكار الفلسفية الأخرى أقل منها روعة أو اضعف شاناً؛ ففكرة الرجل والمرأة والمفاضلة بينهما، وتمييز الرجولة بشهامتها على الأنوثة بضعفها ومكرها، وحبها الإطراء وانخداعها به، وولوعها بالمكابرة ورغبتها في الانتقام، فكرة واضحة تامة الوضوح في تصرفات الآلهة (فينوس) وفي هباتها وكلامها وكل دورها الذي قامت به في المسرحية
أحب بعد هذا أن أشير إشارة شريعة إلى فكرة أحسبها أسمى الأفكار الرمزية التي وفق إليها الأستاذ في هذا الجهد الرائع الجديد، تلك الفكرة التي أزال بها الحجاب بين الحي والجماد، وسما إلى نوع من الرمزية الحلولية الروحية التي لم تُقم للفارق العقلي الذي يأبه الناس له وزناً في التفريق بينهما. بل اعتبرهما جدلين لا يلبثان أن ينصبَّا في خضم الوجود العظيم، وهما إذا نمَّا عن شيء فعن وحدة متجانسة ينضم إليها كل ما في الكون والوجود. وإنك لترى ذلك واضحاً متمثلاً في مخاطبة الجماد بأسلوب الأحياء، وإنطاقه بما يعرب عن مثل أحاسيسهم ومشاعرهم. على أنه في هذه المحاولة الناجحة لم يخرج عن كونه جاء بصورة أخرى للعذاب الذي لقيه المبدع البديع (بجماليون) حين تعذر عليه أن يمزج جمال الفن الخالد الذي أنطق الجماد به، برقة الطبيعة الحية الفانية التي تمثلها جلايتا امرأة سوية الخلقة رائعة التكوين. ولكن الفرق بين العبقريين: العبقري المثال، والعبقري الكاتب الأديب، أن الأول أطاع عقله واحترام مقاييسه المادية، أما الثاني فقد استعار الحلول وسيلة إلى إظهار ما يريد بمظهر يصدق الاعتماد عليه
أكتفي بهذا المقدار لأسمع رأي الناقدين في هذا الأثر الخالد المجيد. وإذا أذن الصديق في سماع تحيتي وقبول تهنئتي فليسمع ذلك إذاً متجلياً في قولي إن أثره هذا وإن آثره وإن يكن مصدره الغرب، سيرتد بعد أن اتشح بوشاح من عبقرية شرقية إلى مصدره بعد قليل على قلم ناقل أو أسلة مترجم معجب محب!