ألف عام تغالب الأهواء والنزعات، وتختلف عليك الدول والنظم والسياسات، ويبتسم لك الدهر حيناً، ويعبس في وجهك أحيانا؛ ومرة تحتضن فأنت العزيز المقرب، وأخرى تضطهد فأنت الشريد المطرح، ولكنك في جميع أحوالك ثابت كالطود الشامخ، تتكسر السهام حواليك، وتتفرق الأعاصير على جانبيك
أنت تلقيت ميراث الإسلام يوم خلت الأرض كلها ممن يتلقى هذا الميراث الكريم. تلقيته فصنته، وحفظت أمانته، ورعيت حقه، ووقفت دون العبث به والكيد له:
هذا كتاب الله بين يديك: تتلى آياته، وتجوَّد لهجاته، وتروى قراءاته، وتفسر معانيه، وتستنبط أحكامه، وتدرس أسراره!
وهذه هي السنة المطهرة قد أينعت بك ثماراً، وتباركت آثاراً، وزكت أصولاً وفروعاً!
وإليك صار علم المدينة، وفقه العراق، ونحو البصرة، وأدب الكوفة، وتصنيف بغداد، وفن قرطبة، وما كان من فلسفة المتفلسفة، وكلام المتكلمة، ونزعات المتصوفة!
وبك وقى الله المسلمين عوادي الفتن، فلم ترُج عندك شبهة، ولم تدخل عليك نحلة، ولم تخدع عن عقيدة، ولم تستدرج إلى الهوى، ولم يطمع فيك من المبطلين طامع!
أنت حملت شعلة العلم عالية السناء، وهاجة الضياء، حين كان العالم في أكثر بقاع الأرض سابحاً في الأوهام
ألف عام! ياله من ماض طويل، في جهاد نبيل! فما لي إذن أراك وقد انفردت في موقفك يوم عيدك الفريد؟ أين مهرجانك؟ أين مهنئوك؟ أين الوفود تفد إليك من الشرق والغرب لتجعل على مفرقك التاج؟ أين المستشرقون المستعربون ليضفروا لك أكاليل الغار؟ أين كتابك؟ أين شعراؤك؟ بل أين (لجانك) التي ألفوها لهذا العيد تحضر له، وتخط برنامجه، وترتب نظامه؟ أباقية هي؟ فأين أعمالها؟ أم حلت؟ فمن ذا الذي أشار بحلها؟ أم أدركها (داء اللجان) من قبلها ومن بعدها فقضى عليها في مهدها؟!
أيها المعهد العتيق:
لقد ختمت بأمس ألفاً، وبدأت اليوم ألفاً، ولكن ما أبعد الفرق بين أمسك ويومك:
كأني أرى حلقاتك العلمية تحفها السكينة، ويزينها الوقار! عرفتها قبل أن تعرف أوربا نظام