نظرة الإجلال والإكبار، ويرفعونك إلى مرتبة التقديس، ويمنحون أساتذتك ألقاب التكريم، وأوصاف التعظيم: فهم (العلماء) من بين أهل العلم أجمعين، وهم (أصحاب الفضيلة) من بين سائر الفاضلين، وهم أعلام التقى، ومثل الهدى، وأهل الرأي، وقادة الفكر، وحماة الدين، ورعاة الخلق! وكان (رجل الدين) إذا أهل بطلعته على أهل حي عظموه وأجلوه، والتمسوا بركته، ورجوا خيره. وكان إذا تكلم في قوم أصغوا إلى ما يقول في خشوع وخضوع: أمره الأمر، وحكمه الحكم، ورأيه في المعضلات هو الرأي!
أما اليوم فأنت ورجالك على هامش الحياة:
أنت سليب حريب. نقصوا أطرافك وعدوا على اختصاصك، واستباحوا حماك، وأغروا بك المنافسين، يمدونهم بالمال والمناصب، ويؤيدونهم بالجاه والسلطان، ويحاسبونك على النقير والقطمير، بينما يكيلون لغيرك بالشمال وباليمين!
ورجالك! وا لهف نفسي على رجالك! لقد احتواهم المجتمع، ونكرهم الناس، وهانوا حتى على أنفسهم، وفقدوا أو كادوا يفقدون مجدهم القديم، وكأني بهم الآن يقفون وراء الصفوف في معترك هذه الحياة، ينظرون بعيون كسيرة، وقد وضعوا أيديهم على قلوبهم، واحتبسوا أنفاسهم في صدورهم، خائفين وجلين لا يدرون متى تعصف العاصفة أو ترجف الراجفة!
أيها الأزهر:
بين ماضيك وحاضرك! أحدهما يثير الفخر والإعجاب، والآخر يثير الهم والاكتئاب! وإني مع ذلك أهنئك بالعيد، ولا أحب لك أن تيأس (فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً) وإن الله الذي رفع لك ذكرك، سيضع عنك وزرك، الذي أنقض ظهرك. سلام عليك في الأولين، وسلام عليك في الآخرين!