الأجنبية، ولكن يعاب على الأديب أن يقص بعض مسالكه في تدبير المعاش وما وقع من ذلك لم يقابل بغير السخرية والاستهزاء
وأخرج على هذا التقليد فأقول: إني جريت منذ أعوام على الادخار في حدود الاعتدال، فلا أحرم نفسي ولا أحرم أبنائي نعمة العيش المقبول، ولكني لا أسمح لنفسي ولا لأبنائي بتبديد ما يسوق الله من الرزق الحلال
وعند اشتغالي بالتدريس كنت أسأل تلاميذي عما يدخرون ولم يفتني أن ألقي درساً في الادخار على تلاميذي في بغداد، راجياً أن يلقوه على تلاميذهم في جميع أرجاء العراق
ومهنتي اليوم لا تتسع لأمثال هذه الدروس، ومع ذلك يغلبني حب الخير فأسأل المدرسين الذين أتشرف بتوجيههم إلى المناهج الصحيحة في التدريس، اسألهم عما يدخرون، لأطمئن إلى صلاحيتهم لمهنة التعليم؛ فالمعلم الحق في نظري هو الذي يروض نفسه ويروض تلاميذه على تدبير المعاش. ولا يمكن لمدرس يبدد مرتبه في الأسبوع الأول من الشهر أن يجد عقله في الباقي من الأسابيع
وتدبير المال في الحدود المعقولة يشهد بالقدرة على ضبط النفس، وضبط النفس هو أوثق صور الأخلاق، وما يجوز لمبذر أن يتوهم أنه يصلح لشيء من جلائل الأعمال
أكتب هذا وأنا اعرف أن في بني آدم من يطيب له أن يتهمني بالشح والبخل، لأنهم ألفوا وصف المدخرين بالشح والبخل؛ ولأن الشعر القديم صور لهم التبذير بصورة السخاء من أن أكثر المدائح كانت تمائم أريد بها انتهاب ما يملك الخلفاء والملوك
ومهما نهيتكم عن الإسراف فلن أنهاكم عن البر بالفقراء والمساكين. ولي هنا غاية تجارية: فقد عرفت بالتجربة أن الله يعوض ما ننفقه على المعوزين أضعافاً مضاعفة، ومن الواجب أن نستغل كرم الله أجمل استغلال في حدود ما نطيق
وأنا بعد هذا أرجو من يؤلفون كتب المطالعة لتلاميذ المدارس أن يكثروا من الحث على الادخار، ليساعدوا على إنشاء جيل جديد، جيل متماسك لا يتباهى أبناؤه بالسرف والتبديد، وإنما يتباهون بالبر والإفضال
نفحة سودانية
كان من توفيق الله أن نلتفت إلى الأدب في السودان بعض الالتفات، فبه أتيحت فرصة