ثم أخذت تتجاذبها الهواجس السود فكانت تعتقد أنها قضت نحبها، ثم توسلت إلى الله أن يغفر لها خطاياها. وكانت إذا سمعت الحاكي (الفونوغراف) تصورت أن روح أحد أقاربها تقمصت في القرص المدار فلا يفتأ يصعد أنينه ويبث شكواه كلما وخزته إبرة الحاكي الحادة. وإذا رأت أحداً يهش الذباب خيل إليها أنه يشير إلى سفاح ليقطع رقبة أحد أقاربها
وكان في منزل المريضة زهريات برنزية صغيرة في كل منها وردة صناعية حمراء، فكانت تعتقد أن تلك الزهريات ما هي إلا يأجوج ومأجوج حاملين مضلات حمراء ليتقوا بها جمرات تتساقط عليهم من جهنم.
وتصورت ذات يوم أن سريرها سفينة نوح وأن أفراد أسرتها مشرفون على الغرق، فجعلت تناديهم ليتعلقوا بالسفينة طلباً للنجاة ولكن دون جدوى.
وكانت تمتنع عن تناول الكاكاو لاعتقادها أنه ليس إلا دماً مسفوكاً. وطالما امتنعت عن الاغتسال ظناً منها أن الماء ما هو إلا بول الفيلة.
ومن أطراف الهواجس التي كانت تنتاب المريضة عندما كنت أغذيها صناعياً بإدخال اللي المعدي إلى معدتها أنها كانت تعتقد أن المقصود بهذه العملية تشويه خلقتها ونقل أعضائها الجنسية إلى مكان فمها ونقل فمها إلى مكان تلك الأعضاء لتكون أعجوبة العالم.
ومن الهواجس التي تدل على رغبتها في أن تكون رجلاً أنها كانت تتصور أحياناً أنها رجل أو أن نصفها لرجل والنصف الآخر لامرأة، وحين تسعفها لمحة من لمحات الإدراك وتنظر إلى رجليها فتراهما متماثلين تقرر أنها إما أن تكون رجلاً وإما امرأة
وعلى الرغم من أنها كانت تتصور في أثناء مرضها أنها مذنبة وأن الله سينزل بها أشد العقاب، وإنها مخلوق دنيء لا يستحق دخول الجنة فإنها كانت أحياناً تعوض عن هذا نوعاً ما بتصورها نفسها ابنة ملك الفرس ولكنها وضعت في أحد المتاحف الأثرية لتكون فرجة للناس.