الرأي، الأناني، الخائر العزيمة؛ بل لقد يتمادى الطاعنون في طعنهم، فيرمونه بالخيانة لأن من ينكص عن خدمة ذويه وأصدقائه وأسرته، لا يرجى منه خير لوطنه وأمته. أو بأنه في حقيقته لم ينحدر من صلب آله وقومه!
فمن منا - من المصريين يرضى أن يدرج مع الساقطين في المروءة والوطنية؟
فهذه المحاباة - والأمر كما أوضحنا - ليست شيئاً مستغرباً وليست حادثة موقوتة يرجى علاجها إذا ما ولى عهد وخلفه آخر، أو إذا ما سقط سيد وقام بالأمر بعده سيد آخر، مهما يختلف مداها سعة وشططاً وعلة وتعليلاً
إنها ليست بحدث الأحداث كما يغلو بعض الكاتبين، وليست بطارئ ظهر في هذا الزمان
بل أن المحاباة - وهي من خلق الإنسان منذ الخليقة - تقع في الصدر من أخلاقنا وتستقل بالصميم من عاداتنا
إنما الجديد فيها أننا نهضنا نهضة سياسية جديدة، فأصبح لنا أحزاب سياسية ذات أنصار وأنصار للأنصار، وأصبح لنا برلمان ونواب وشيوخ، ولابد لمجيء هؤلاء من الناخبين، ولا سبيل إلى الفوز بالأصوات إلا بخدمة المصوتين أو بذل الوعد لهم بتأديتها
ومن ثم انتقلت المحاباة من ميدان القرية، حيث يشتد النزاع حول العمديات والشياخات وتقديم أنفار القرعة وحول الميراث وحدود الأطيان وما يجب لها من ري وصرف - إلى الحكومة، فكان ما شهدنا ونشاهد، وما من أجله تناول الناقدون ما تناولوا من الإنحاء على المحاباة والمحابين
أما الإجابة على السؤال الثاني، وهو كيف نعالج هذا الداء، ونبرأ من هذه العلة - فإن الواجب أن نعمد إلى تقوية الرأي العام، فإن رأينا العام ضعيف، أو قل إنه قوي حيناً، ضعيف أحياناً. . .
أعني بتقوية الرأي العام، تقوية المعنى الوطني، أي أن تقوم تربية النشء على تقديم مصلحة الوطن والدولة على مصالح الأفراد التي تتعارض مع تلك المصلحة
هذه واحدة؛ وواحدة أخرى علينا أن نبذل ما نستطيع لكي نجعل الانتخابات في جميع صورها وأن نجعل ألوان التأييد للحكومات والثقة بها بمعزل عن الوظائف والتعيين فيها والترقية إليها. . .