وفي مصر التي يشبه الأهرام فيها صوت أم كلثوم
لا أقف لأستمع بل أُبادر لأنظر وأشاهد.
(ليلى والدهر) في ذلك الصوت كلاهما كمومياء مذهَّبةٍ جديرة بالمشاهدة.
في هذا الصوت تتمزق صدور العشاق إرباُ إرباً،
وكيف لا تتمزق فيه صدور العشاق، وقد ورث نبئ موسيقار لوعة نايه من هذا الوادي.
وإن حفر البشر الهواء في المستقبل، فلعلهم يكتشفون في صوتها صوت المزامير.
حين تبدأ تغني ينبعث صوتها كأنهُ وسوسةُ ذاتُ ألوان من الحباب المنطفئ على النيل
الأخضر الذي يجري أمام الشمس النَّارنجِيَّة؛
ثم إذا بك تراه ينقلب إلى أمواج في بحر تندفع كل موجاته فترتطم على قلب؛
ثم إذا بك تراه ينتصر على البعد المطلق.
تخال رَجْع (نواه) آتياً من وراء الفضاء.
هذا الصوت يغرِد كتغريد البلبل في الجنة،
كأنما تفوح منه رائحة ماءِ الورد وشجرة العود؛
كأنه نطفة يجري فيها ماء الحياة، لو انصبت قطرة منها على أجساد الموتى لشعروا بها.
هذا الصوت يمسُّ خدَّ السمع كمنديل من الحرير في كف معطّرة،
كم من ناصية قد اعتمدت على هذه اليد الساحرة
تبكي وتنوح، غارقة في حنانها،
لذلك ينبعث ترديده منتحباً
ولذلك يحرق كما يحرق البكاء
حين غربت الشمس - انطفأ اللون الأحمر للرمال المتوهجة في جفون الصحراء فكأنها
استحالت رماداً،
وتردد في نفسي صدى النغمة الأخيرة لهذا الصوت فأثار وجدي فقمت للوداع من زاويتي
حيث كنت مستغرقاً في خواطر.
كأن ذاكرتي لم تكن معي
عادت كأنما عادت من وراء أفق بعيد؛