للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لدى القانون فيما جرحت جناح، وكل ما أجترحت مباح، وهن منتشرات في تلك الجهات كعقد خانه السمط فانتثرت درره، وروض ألحت عليه الريح فتبدد زهره، فهن ظباء في هذه المراتع روائع، وأقمار من هذه المطالع طوالع، وأنوار في تلك المواضع سواطع، قد ربين في مهاد الدلال رواضع، وغذتهن بلبان الجمال لا الجمال المراضع، فبرزن كالحور، في غلائل نور، أو ورد جور، في زجاج بلور، تراهن بين الأشجار، فتراهن بعض الأزهار)

أيكتب هذا الكلام إلى وزير اسمه علي مبارك لا زكي مبارك؟

كان أسلافنا في عافية، وكانوا يرون التشبيب فنا من البيان، ولم يكن من العيب أن يوضع مثل هذا الخطاب في وثائق مجلس الوزراء. فعلى رجال الجيل الماضي ألف تحية وألف سلام!

كلمة ختامية

بهذا المقال الثالث نختم القول في توجيه الطلاب إلى فهم سريرة عيسى بن هشام، فقد أفصحنا عن أهم الدقائق من تلك السريرة، ورفعنا عن المؤلف بعض الآصار التي أثقله بها معاصروه وأزحنا الستار عن حقائق كانت مجهولة عند الكثير من أبناء هذا الجيل

وأنا وأرجو من ينظر في كتاب (حديث عيسى بن هشام) أن يتذكرانه كتب في عصر كانت لأبنائه عقيدة أدبية، فما كانوا يخطون حرفاَ إلا بميزان، ولا كان الفتى منهم يتطاول إلى تسطير مقال إلا بعد أن يستوعب ما يصل إليه من أثار القدماء، ولا كان يتسامى إلى الأدب إلا من زود بمواهب تضمن له الخلود

وما ظنكم بجيل كان من أبنائه محمد عبده وسعد زغلول وتوفيق البكري واحمد تيمور وإبراهيم المويلحي ومحمود البارودي وعبد الله فكري وعلي يوسف وعبد العزيز جاويش؟

لا تنسوا أن الجيل الماضي كانت له عقيدة أدبية وعقيدة قومية. لا تنسوا أنه ترك أثاراَ تستحق الدرس والاقتداء. لا تنسوا أنه لا يليق أن نكون أقل منهم حرصاَ على التلحيق، ونحن نملك من الوسائل ما لم يكونوا يملكون

إن (حديث عيسى بن هشام) صورة من صور القلق الاجتماعي، وهو يشهد أن مؤلفه كان يتجه إلى خلق جيل جديد يسلم من أوضار الجيل العتيق إن وقعت في الكتاب سجعة لا ترضيكم فلا تبتسموا ابتسام السخرية، فهي الدليل على ابتلاء المؤلف بمحنة الفنون

<<  <  ج:
ص:  >  >>