الكهف (٢٠)(وكذلك أعثرنا عليهم) جاء الفعل بالمعنى المجازي الذي يقتضي حركة السقوط المجازية، والصدم المجازي، وحالة التنبه والتماسك قبل حركة السقوط، وعدم التوقع أي الوقوف على الشيء بغير طلب أو بحث أو كشف
ولكن الأخ مندور يقول:(ولم أرد (العثور عليه) أي الاطلاع الذي يدل على علم ومعرفة وبحث وجهبذة لا أدعيها). والذي أوقعه في هذا التأويل قول أصحاب اللغة (عثر على الأمر عثوراً) اطلع. فتفسيرهم مقصر عن الغاية كل التقصير لأنه يدل على جزء واحد من الدلالات التي يتضمنهما الفعل، وهي حالة التنبه التي تلحق الرجل من الصدمة فينظر ويتبين ما صدمه، وأهملوا بقولهم (اطلع) المعنى الأصلي للفعل (عثر) وهي حالة السقوط المجازي، والصدمة المجازية، وعدم التوقع. وهذا نقص مخل في عبارة كتب أصحاب اللغة
وأنا أقرر أن أكثر ما في كتب اللغة عندنا من تفسير الألفاظ إنما هو تفسير مخل فاسد، لأنه قد أهمل فيه أصل الاشتقاق، وأصل المعنى الذي يدل عليه اللفظ بذاته كما رأيت هنا. وإذا أهمل هذان فقد اضطرب الكلام واضطربت دلالاته، وأوقع من يأخذ اللغة بغير تدبر في حالة من التعبد بالنصوص كتعبد الوثني للصنم. وأيضا فهو يوقع بعض النابهين من الكتاب في أوهام ليست من الحق في شيء، يحملهم عليها تكرار هذا التفسير الفاسد فيسلمون به على غير تبين، كما رأيت في تفسير قولهم (عثرت عليه) إنه (اطلعت عليه)، فانك حين تقول:(عثر على الكلمة في الكتاب) فلست تقولها إلا حين تريد أن تصور الكلمة كأنها فاعل الصدم، وتصور رؤيتها كأنه صدم لك، وهذا الصدم يستدعي تنبهك فتتماسك وتنظر إلى ما صدمك، وإن هذا كله كان بغير طلب أو بحث وإنما جاءك اتفاقاً على غير تعمد كان منك.
هذا وأنا لم أقصد ببحثي هذا إلى اللغة، بل قصدت إلى الدلالة على طريق الحق إلى فهمها. وأحب أن أظهر من يقرأ كلامي هذا على أنني لا أجعل مفردات اللغات كل الهم في عملي أو عمل غيري. ويقيني أن أكثر من يطيق التدبر والتأمل يستطيع أن يصل إلى فهم اللغة فهماً صحيحاً نافعاً معيناً على حسن العبارة ودقتها في البيان عن المراد، وهو لم يتكلف إلى ذلك إلا قليلا من الجهد