للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في جو الكليات، ويشعر الطلبة بأن لأساتذتهم قدرة على فهم ما في المجتمع من آلام وآمال، ويبدد الشبهة التي تزعم أن الأساتذة يعيشون في زمانهم غرباء

والحق أن الأدب الذي يقف عند درس الكتب وتحقيق الأسانيد هو (أدب الجماجم) لا أدب الأرواح

والنصوص القديمة لا تفهم جيداً إلا إذا عولجت بالروح الجديد، وقد كان أستاذنا برونو يوصينا بأن نتسمّع لما يدور من المحاورات في قهوات باريس، عسانا نستفيد شيئاً ن المرونة التي يبدعها الحوار الخالي من شوائب التكلف والافتعال

والحق أيضاً أن الرهبانية التي حاصرت حياة الأستاذية لم يبق لها في هذا العصر مكان، فهي تزمتٌ موروث عن عصور الرياء، وهي الثوب الذي يدارى الهزال عند بعض المهازيل

هل تعرفون السبب في ضعف الفكرة التشريعية عند مدرسي القوانين في هذا الجيل؟

يرجع السبب إلى أن أكثر أولئك المدرسين لم تكتو أيديهم بنيران المعاملات، فلم يعرفوا احتياج التشريع إلى التجديد الموصول

وسيأتي يومٌ نعرف فيه أن تدريس القوانين يجب أن يوكل إلى قدماء المحامين، لأن صلتهم بما في المجتمع من متاعب ومصاعب تبّصرهم بما يعتور الفكرة التشريعية من عقابيل

وما يقال في أساتذة الحقوق يقال في أساتذة الآداب

فأستاذ الأدب يجب أن يكون أديباً بالقول والفعل، أديباً مبدعاً لا أديباً مدرساً، أديباً من رجال الصناعتين: صناعة الشعر وصناعة الكتابة

بين الكلمة والكلمة صلات لا يدركها إلا من عانى المكاره التي يوجبها ضم كلمة في الحدود التي يوجبها روح البيان

الكلمة في المعجم غير الكلمة في الجملة؛ هي في المعجم سمكة محنَّطة، وهي في الجملة سمكة حية، وبين موت الكلمة وحياتها برزخٌ لا يَعبُره إلا من يملك إنقاذها من الموت، وهو الأديب الفنّان

ومن مقاتل الأستاذية في الأدب لهذا العهد أن بعض الأساتذة لا يلتفتون لا يلتفتون إلى الوشائج الأصيلة بين الأدب وسائر العلوم والفنون، مع أن أسلافنا نصوا على هذه الوشائج

<<  <  ج:
ص:  >  >>