للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بندقية من قصر الأمارة بمكة. وكان الحجاز كما قلنا يعاني من شدة الحرب وأهوالها أكثر من سواه من الأقطار العربية. فسدت أبواب البحر، وانقطع الحجيج، ونفذ القليل مما كان في البلاد من زاد، فضجت الناس، وهلك مئات من الجوع، وقد قال (الحسين) إنه ظل هو وأهل منزله سنتين يأكلون الدخن

مرت الأربعة أشهر وكان قد أصبح الأمير فيصل في مأمن من الأعداء، ولديه فوق ذلك من مالهم وسلاحهم ما لا يستهان به. وكانت الذخائر والسلاح والمال بدأت ترد عن طريق (بور سودان) من المصدر الذي أشار إليه المندوب السامي البريطاني في كتابه

فتوكل الشريف حسين علي الله، ونهض في صباح اليوم التاسع من شعبان سنة ١٣٢٤ ٢يونيو (حزيران) عام ١٩١٦ قبل الفجر وبيده بندقية أطلقها طلقة واحدة كان لدويها صدى في جدة والطائف والمدينة، بل في سائر أنحاء العالم العربي

فأعلنت الثورة في مكة وجدة في اليوم الأول، وفي الطائف والمدينة في اليوم الثاني، وكان ما لدى العرب من القوات العسكرية موزعة متأهبة كلها، فحاصر الأمير زيد بجنوده قلعة (اجياد) بمكة وهجم الأمير عبد الله على الطائف، وكان الشريف محسن قائداً في جدة، والأميران علي وفيصل، وقد خرجا من المدينة يجمعان العربان ليحاصرا الترك فيها

وقد برهن أبناء الشريف على بسالة فيهم أظهرها القتال والصراع، وعززها الجلد في النضال والكفاح. ولم يمر شهر على حصار قلعة (أجياد) التي كانت تصب نارها على مكة، وخصوصاً على قصر الأمارة فيها، والشريف حسين في غرفته الخاصة في ذلك القصر يدير الحركة ولا يبالي بشظايا القنابل التي كانت تخترق السقوف والجدران؛ فلم يمر شهر كما قلنا حتى كلل الحصار بالنصر؛ فسلمت اجياد في ٤ رمضان ثم استولى الأمير عبد الله على الطائف في ٢٦ ي الحجة من تلك السنة

وفي ٢ محرم عام ١٣٣٥ الموافق يوم ١٦ نوفمبر (تشرين الثاني) سنة ١٩١٦ بويع الشريف حسين بالملك. وفي الشهر التالي اعترفت به دول الحلفاء الكبرى أي بريطانيا وفرنسا ملكاً على الحجاز، وجاء الأسطولان الإنجليزي والفرنسي إلى جدة يحملان إلى جلالة الملك تهاني تلك الدول، فخطب في حضرته أميرال الأسطول الفرنسي ودعاه بأعظم أمراء العرب

<<  <  ج:
ص:  >  >>