البيت الذي الهمني هذا المقال أسرة مسلمة عميدها موظف كبير، وأسرة يهودية كاسبها تاجر صغير، وأسرة مسيحية عائلها مستخدم متوسط.
ففي يوم السبت ينبعث في المسكن اليهودي تاريخ إسرائيل بأساطيره وتقاليده وعقائده، فالتوراة تتلى، والصلوات تقضى، والذكريات تستيقظ، والمجارى الروحية تتحدر من الأجداد إلى الأحفاد فتوثق الروابط، وتجدد القوى، وتهون العظائم، ثم تخرج الأسرة بأسرها، في زينتها وبشرها، فتتناول عشاءها في مطعم سأمر، وتقضي أمسيتها في ملهى ساهر وفي يوم الأحد يحول المسكن المسيحي إلى عرس أنيق مترف: فالأسرة تعود من القداس في ألوان الزهر وافواف الوشى، والغرف تضحك من طلاقة النفوس واتساق الأثاث، والمائدة المزهرة تحفل بأفانين الشراب السائغ والطعام الهنئ، والبيان الفخم تحت الأنامل الطفلة يقطر بالنغم العذب واللحن البهيج، والفنغراف يدور بأناشيد الرقص فيسمى البهو بالزائرين والزائرات أشبه بأعشاش الربيع كلها مناغاة وهديل وهزج! وفي يوم الجمعة يصبح المسكن المسلم عابسا كالكهف، ساكتا كالمقبرة!
فالبك قضى ليله سهران، فهو نائم نومة الضحى! فلا تسمع حسا ولا حركة، إلا صوتا شديد الخفوت، يستعين بالإشارة على ان يهمس الحين بعد الحين:
- هس سس س! خفض من صوتك! خفف من مشيك! لا تلعب بهذا! لا تعبث بذاك! أبوك نائم!
والبك يأخذ حمامه الأسبوعي الحار فيشغل الحمام ساعتين! فتمضي الظهيرة والفتاة لا تستحم، والعجوز لا تتوضأ!
والبك مدعو إلى العشاء، عند بعض الأصدقاء، فالمطبخ بارد هادئ، وطعام اليوم بقية طعام الأمس!
والبك يتهيأ للخروج، فالأسرة كلها في خدمته: هذه تنظف البدلة، وتلك تمسح الطربوش، وهذا يذهب برباط الرقبة إلى الكواء، وذلك يستعجل الخادم بالحذاء، وأخيراً يخرج البك!! فيتنفس البيت الصعداء، ويستروح المكروب نسيم الرخاء!
وهكذا يمر عيد الأسبوع على هؤلاء القوم، وهم يقولون يا الله ما اثقل روح هذا اليوم!!