السفلى رجالاً ونساء، في القاهرة وغيرها من مدن مصر، من التسول. والكثير من هؤلاء كما هو المتوقع، دجالون كريهون، فبعضهم يشق مظهره على المرء ولكنه يجمع أموالاً وافرة. وقد حدث منذ شهور قليلة حادث من هذا النوع شاع أموه في القاهرة. ذلك أنه كان هناك فلاح ضرير تقوده ابنته في شوارع القاهرة وهما يكادان يسيران عاريين دائماً. وقد تعود هذا الفلاح أن يدعوا يومياً إلى منزله سائلاً تركياً ضريراً، فيتناول العشاء معه. وفي ذات ليلة غاب الفلاح عن منزله، ولكن ابنته أعدت العشاء للصديق التركي الذي جلس يأكل وحده. وحدث أثناء ذلك أن مد يده إلى جانبه فوقعت على جرة ملآنة نقوداً. فلم يتردد في حملها وهو منصرف. وكان في الجرة مائة كيس وعشرة من قطع الخيرية، وهي قطع صغيرة ذات تسعة قروش، أي ما يساوي حينئذ أكثر من خمسمائة وخمسين جنيهاً. فذهب المجني عليه إلى القلعة يطلب إنصافه، فاستعاد ماله ما عدا أربعين خيرية كان اللص قد أنفقها، وقد حرم التسول على الفلاح بعد ذلك. وكثيراً ما يشاهد المرء في القاهرة الأطفال عراة تماماً. وقد رأيت كثيراً فتيات بين سن الأثنى عشر والعشرين يتسولون في الطريق دون أن يسترهن غير قطعة رثة حول الكشح وقلما يتأثر هؤلاء من برد الشتاء أو حر الصيف لتعودهم ذلك من الطفولة. ويستطيع الرجال أن يناموا في بعض المساجد. وليست حال المتسولين، من وجوه أخرى، سيئة جداً كما قد يرى الأجنبي من مظهرهم. ويكاد المتسولون بلا ريب أن يحصلوا على طعام أو نقود تكفي لسد حاجتهم الضرورية، وذلك نتيجة لميل المصريين إلى الإحسان، وتعود التجار تناول الطعام في دكاكينهم وإعطاء السائلين شيئاً منه. وهناك متسولون ينفقون جانباُ كبيرا ًمما يجمعونه صباحاً في التمتع بتدخين الحشيش ليلاً فيتخيلون أنهم أسعد الناس
ولا تخرج صيحات المتسولين في القاهرة عن دعاء الله. ومن أكثر الأدعية شيوعاً قولهم:(يا محنن يا رب!)(لله يا محسنين)(أنا طالب من عند ربي رغيف عيش)(يا مانت كريم يا رب)(أنا ضيف الله والنبي). وقولهم مساء:(عشاي عليك يا رب) وفي ليلة الجمعة: (ليلة الجمعة الفضيلة) وفي يوم الجمعة: (يوم الجمعة الفضيلة). وكان هناك متسول، تعود أن يمر بداري يومياُ، يقول:(توكلت على الله! لا الله إلا الله) وإني أسمع الآن متسولة تصيح: (عشاي عليك يا رب. من أيدي مؤمن كريم موحد بالله. يا أسيادي!). ويرد الناس