وسلوى المحب، وعزاء المحزون. وليست مع العزاء مصيبة. إن الأدب هو نتاج العواطف الشريفة وثمار الاحساس الجميل، ولن تجد كثمرة العاطفة في حديقة الحياة.
نظرة إلى هذا العالم تنبئك عن قدر الأدب بين الاحياء، فكل من فيه ماله آخر يومه إلى الراحة والسكون، والمرء مهما كد وجد فلابد له من سويعات تقر فيها نفسه، ويخلد فيها إلى السكون جسمه، وعندئذ فلن يجد أشهى من ثمرات القرائح والنفوس يقطفها من صفحات كتاب. ولن يجد أحلى من زهر العواطف تفوح رائحته من ثنايا النثر أو الشعر. ولن أقول أي نثر أو أي شعر، فلكل ذوقه ولكل ما يؤثر، وهي بضاعة من نتاج القرائح معروضة، فليأخذ منها كل ما يلائم حسه، ويصادف هوى نفسه.
وتريد ان تعرف قيمة الأدب في الحياة وتتبين أثره في الناس. إذن فانظر إلى رجل ليس يقرأ إلا قصيدة قد حوت رائع اللفظ وساحر المعنى، وليس يطالع إلا في كتاب قد تضمن من الحديث أعذبه وأحلاه، ومن القصص أحسنه وأشهاه، فيه شجون وفيه احزان، وفيه شكوى وفيه غرام، وفيه عاطفة حارة وحس جميل، وفيه وصف رائع وشعور صادق نبيل، ثم استمع إليه تحدثك فستجد عقلا مصقولا ونفسا مهذبة، أثرت فيها هذه الآداب فرققت حواشيها، وعملت فيها تلك القراءات فأرهفت حسها وهذبت نواحيها، وهل اجل في الحياة من نفس مهذبة وعقل صقيل؟ وهل ادعى إلى حياة الامم ورقيها من نفوس ابنائها وقد طبعت على كل حسن جميل؟ وهل مثل الأدب مقوم للطبع مهذب للنفس؟
وتريد أن تعرف قيمة الأدب في الحياة وتتبين أثره في الناس؟
إذن فنصور شعبا ينصت إلى نشيده الوطني وقد ذبحته براعة أديب قدير فحوى من معاني الوطنية ارفعها واسماها، وحرك من نفوس الناس اشرف العواطف وارقى درجات الشعور، فتحفزت نفوسهم واستعذبوا الموت في سبيل الوطن.
وللأدب بعد ذلك ناحية عامة لا تقل شانا عن تهذيب النفوس وصقل العقول واحياء العواطف السامية في القلوب، فأدب الامة صفحة صادقة من تاريخها كتبتها طائفة من ابنائها فلم تتحيز ولم تظلم، وإنما دونت فيها شعورها الخالص وحسها الصادق. ولذا عنيت أرقى الامم بالآداب وأحلتها المحل اللائق بها، وأنزلت أهلها المنزلة التي تتفق وما لآثارهم الأدبية من قيمة في الحياة. فلولا الأدب لكانت حياتنا جافة لا تحتمل، وعبئا ثقيلا لا يطاق.