نظره مخطئون غير موثوق بأقوالهم. فالنتيجة المنطقية أنه هو الآخر مخطئ غير موثوق بأقواله، ويلزم هذه النتيجة نتيجة عامة، هي أنه لا يثق أحد بأقوال النحويين واللغويين أجمعين!! وأحسب (الأب) لا يرضى لنفسه تلك الوصمة الشنعاء، كما أعتقد عدم صحة النتيجة العامة بالبداهة
على أن من يسمع كلمة (أخطأ اللغويون. أخطأ النحاة). التي رددها (الأب) في مقاله، يفهم أن اللغة قد أحيط بها، وأن علماء اللغة والنحو قوّضوا بنيانها، وهدموا أركانه! مع أن ما نسبه إليهم في مقاله من الخطأ (في انتقاده) لا يعدو أنهم حصروا عدداً من الألفاظ على زلة خاصة، وجاء هو ومَن قَبله بقليل يقولون:
إن في اللغة أوزاناً أُخَر تنقض هذا الحصر.
والخلاصة: أنه جعل خطأهم في العدّ، خطأ في اللغة!
لا. يا سيدي. إن الخطأ في اللغة شئ آخر. هو أن يفسر اللغوي لفظاً بغير معناه الذي تواضع عليه العرب، كأنه يفسر (الماء) بمعنى العسل، أو يجعل معنى (نَصَر) لمقلوبه وهو (رصَن)، أو نحو ذلك. ومثلك لا يحتاج إلى هذا البيان. فالحق أن العنوان بظاهره قريب، وإن تنصل الأب من هذه الريبة: بأنه لا يثق إلا بأقوال القُدامى من النحويين وعلماء اللغة. وإذا وضح أن الخطأ الذي ألصق بعلماء النحو واللغة إنما هو (في العدد) لا (في اللغة). وجب أن يقول الأب معي: (إن النحاة واللغويين إثبات ثقات، وإن كان توثيقهم في الحقيقة قطعيّ الثبوت قبل أن أوجد أنا والأب بمئات السنين.
وإن كان الأستاذ يريد بالخطأ ما وقع لصاحب القاموس أو غيره من اللغويين، فمثل هذا لم يسلم منه لغوي ولا نحوي. هذا صاحب القاموس يحصي أخطاء صحاح الجوهري، وهذا صاحب الجاسوس يحصى أخطاء القاموس، وهذا الشيخ إبراهيم ناصيف اليازجي اللُّبناني، والعلامة أحمد تيمور باشا، يؤلف كل منهما في مؤاخذات لغوية على كتاب لسان العرب، ومع ذلك لم يجرؤ أحد فيما أعلم، على القول برفع الثقة عن القاموس أو عن لسان العرب؛ بل لا يزالان ولن يزالا أهم مراجع للعلماء، وأضوء نبراس للأدباء من الكتاب والشعراء. وبعد فأظن أن هذا المقام قد استوفى حقه من التوضيح والتدليل.