للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما تبصر العينان في موضع الهوى ... ولا تسمع الأذنان إلا من القلب

وأخيراً هذا المفكر البائس (إيفان) يتشكى ويتسخط، ويتفلسف ويتورط، ويسمع الإنسان في صوته رنيناً من الحق، وأنيناً من الأسى، ويشهد في أقواله طغيان الفكرة وقوة الإيمان بفساد الغرب وصلاح الشرق، وبما في المادة من شقاء وضلال، وبما في الروح من أنس وجلال؛ فلا يسع الإنسان - سواء أقره أم خالفه - إلا أن يشعر نحوه بعطف كله إشفاق، ورحمة تضاعفها لوعة، ولوعة يخالطها ألم.

وبعد، مرة ثانية: هل تريد أن أكشف اللثام عنك في ضوء هذا الكتاب الذي وصفت فيه حالات المحب واختلاجاته، ونزوات الحب ونزعاته، حركاته وسكناته، خطراته وخفقاته؟

إذن فاسمع يا صديقي، لقد جاء وصفك لهذا كله وصف العارف المجرب. وما ينبئك مثل خبير؛ فلست أنت عدو المرأة كما يزعم الزاعمون ويتصور الواهمون، وإنما أنت عاشقها المتيم الهائم، وعابدها في محراب العزلة والجمال.

ولقد وددت بعد فراغي من مطالعة كتابك لو امتد بك الصبر فأطلت فيما أوجزت، وأسهبت فيما سردت، وبسطت طرفاً آخر من تجارب الحياة. وتبسطت في ذكر حوادث أخرى أو مغامرات. . . إذن لكان صاحبك مثلاً فذاً للمفكرين ولكان عصفورك مثلاً حياً لعصافير المصريين.

فوا رحمتاه للعصافير السمراء، حين تحب الحمائم الجميلة البيضاء! ويا لها من نشوة دونها كل نشوة، فيها عذوبة وفيها عذاب؛ ولكنها حياة لا تعدلها حياة.

قد يسأل سائل: أليس من العجيب أن يحب العصفور الآدمي الصغير الحمامة الآدمية الجميلة؟ أليس بينهما تفاوت قائم وتباين؟ فكيف يتم بينهما توافق دائم ووئام؟ بلى إنه لعجيب؛ ولكنه عجيب في حكم العقل والمنطق وحدهما؛ ولكنه في حكم الطبيعة والعاطفة مفهوم ولا يفهم سواه. والحب لغز من الألغاز تجري في دائرته المرنة عملية الجذب والانجذاب، فلا ملام ولا عتاب.

على أني كثيراً ما تمنيت لو أن كل عصفور من الشرق أو الغرب أدرك حكمة الأيام في كل زمان ومكان وهي أن المرأة إذا استقوتك استعطفتك ببكائها، وإذا استضعفتك قتلتك بكبريائها. إذن لكان نصيبه من متع الحياة أعظم وأكمل، ولكانت شقوته بها أقل وأضأل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>