دون أن يعنوا بالفحص عنها والتثبت منها، فحادوا عن سواء السبيل. وإذاً فلتكن هذه الكلمة مقصورة على ما يجب من ثورة في ناحية الأخلاق.
ورثنا عن رجالاتنا وفلاسفتنا المسلمين - أمثال ابن مسكويه والفارابي والغزالي - مذاهب في الأخلاق، بينت لنا الفضائل والرذائل بياناً فلسفياً، وحددت السعادة التي يصح أن نسعى إليها، ورسمت لها الطرق والسبل، مستعينة في ذلك كله بهدى القرآن والحديث وبآراء من الديانة المسيحية والفلسفة الإغريقية فكان من هذا المزيج ما نعرفه من الأخلاق الفلسفية التي نتوفر على دراستها في الأزهر والجامعة علها تهدينا السبيل السوي، والتي جمدنا عليها فما غيرنا منها شيئاً، غافلين عن الزمن وتغيره وما جد من تطورات ونظم تقضي بأن نعيد النظر في هذه الأخلاق هذه الغاية - أو السعادة القصوى - التي حددتها تلك المذاهب هي العلم التام والمعرفة الصحيحة بالعالم والله والملأ الأعلى. والوسائل إليها في رأي الغزالي - الذي يعتبر إلى حد كبير ممثل هذا الضرب من الأخلاق - هي التحلي بفاضل الأخلاق، والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة. وهنا موطن من المواطن التي أدعو إلى الثورة عليها.
لم يجئ الإسلام ليمهد سبيل الراحة والسعادة الخاصة لقوم يقبعون في الزوايا والمساجد يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ويقنعون بالتافه من الطعام والمرقع من الثياب والضروري من حطام هذه الحياة الدنيا، طلباً لما في الدار الآخرة من جنات عرضها السموات والأرض! لقد جاء الإسلام، وقد بلغت الإنسانية رشدها، فكان ديناً وسطاً لم يفضل الجسم ولا الروح بل عرف لكل حقه؛ فلم يوجب التقشف. ولم يحرم التمتع بما أودع الله من خير في بطن الأرض وعلى ظهرها:(قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق)!