للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يفعله البناء في القالب والنساج في المنوال حتى يتسع بحصول

التراكيب الوافية بمقصود الكلام، ويقع على الصورة الصحيحة باعتبار

ملكة اللسان العربي فيه، فإن لكل فن من الكلام أساليب تختص به

وتوجد فيه على أنحاء مختلفة. . .) لذلك حسب المدفوعون بطبائعهم

عن موارد البلاغة من طول ما ثرثروا حول الجمل والصور في

عصور العجمة، أن الأسلوب سرد ألفاظ لا تسفر عن معنى، وحشد

أسجاع لا تؤدي إلى غرض

إذن ما هو الأسلوب؟ الأسلوب هو طريقة الكاتب أو الشاعر الخاصة في اختيار الألفاظ وتأليف الكلام. وهذه الطريقة فضلاً عن اختلافها في الكتَّاب والشعراء تختلف في الكاتب أو الشاعر نفسه باختلاف الفن الذي يعالجه، والموضوع الذي يكتبه، والشخص الذي يتكلم بلسانه أو يتكلم عنه. ولكن الأساليب مهما اختلفت باختلاف الأفراد، وتنوعت بتنوع الأغراض، فإنها تتسم جميعاً بسمات واحدة من عبقرية الأمة. ومنطق ذلك أن الصفات المشتركة في آحاد الأمة تتلاقى وتتجمع فتكوِّن خصائصها التي تميِّزها من سواها. وهذه الخصائص نفسها تنطبع في لغتها فتكون طرازاً عاماً في كل أسلوب

وعلى قدر ما تكون هذه الخصائص في الأمة تكون قابلية الأساليب فيها للاختلاف. فالصفات القومية في الأمة العربية كانت في جاهليتها شديدة الظهور والعموم حتى لم يكن بين صفات الفرد وصفات الجماعة إلا فروق لا تكاد تلحظ. ومن ثم تشابهت أساليب الشعر والخطابة في ذلك العصر فلا تستبين فروقها الدقيقة إلا للناقد البصير. ومن اختلف أسلوبه من الشعراء الجاهليين فقد اختلف لتغلب صفاته الخاصة، كأمية بن أبي الصلت وعدي بن زيد. فلما جاء الإسلام أخذت هذه الفروق تتضح وتتباين حتى بلغت غايتها من ذلك في العصر العباسي حين صارت اللغة العربية لغة الإسلام، والأدب العربي أدب الشرق

والفنان العبقري هو وحده الذي يستطيع أن يغلِّب صفاته الخاصة على صفات قومه العامة فيتميز طابعه ويستقل أسلوبه. أما العاديون والمقلدون من حملة الرواسم وحفظة التعابير

<<  <  ج:
ص:  >  >>