وتقدم الملكة على سليمان في موكبها العظيم، فيحس قلبه من بعيد بما هنالك (وهنا تشترك الأسطورة والنبوة والغريزة في رسم الصورة وتقريب الإحساس) وعندئذ يبدأ في محاولة بهرها ولفت نظرها بخوارق الأمور؛ فيطلب استحضار عرشها من بلاد سبأ. ويتبارى في ذلك أتباعه. وعندئذ تعرض الفرصة للجنيّ (داهش) صاحب الصياد ليأتي بالعظائم ويلبي الطموح، فيعرض أن يأتي به في غمضة عين أو يقتل هو والصياد! ويعارض الصياد بطبيعة الحال، ولكن طموح الجني ورغبة سليمان يغلبان. وينجح (داهش) فيظهر الصياد الساذج مشاركاً في النجاح، وترتسم للصياد صورة فيها كثير من الدعابة والفكاهة تلازمه في معظم الأحوال! ويسر سليمان ويستقبل الملكة ومعها الأمير الأسير، فترى عرشها وتعجب بهذه المقدرة، ولكنها تشم بغريزتها لماذا يحاول سليمان أن يبهرها! ويختليان بسرعة فتلاحظ هذه السرعة، وتصارحه بها، فيفاجئها بما ساور نفسه من أسيرها، فتعترف! ويصدم سليمان صدمة عنيفة فينسحب لتنال راحتها! وتبتهج هي في دخيلة نفسها بما تم حتى الآن!
فإذا خلا سليمان إلى نفسه فهو منقبض قلق ضيق الصدر، في حاجة إلى السلوى وإلى التسلية، فهو يلتمسها عند أضعف أتباعه وأشدهم سذاجة. عند الصياد! وإنه ليسأله إذا كان قد ذاق طعم الحب؟ وهنا يروي الصياد قصة حب خائب لم يدم إلا لحظة. أدى ثمنها ثروة مفاجئة كان يملكها. وقد ضحى بحبه ليفسح لمن أحبها طريق السعادة، لأنه ليس كفئاً لها فهي كفء لملك! (وفي هذه القصة ينسج خيطاً آخر من شخصية الصياد فهو رجل طيب ذو ضمير نقي وقلب كريم)
ومرة أخرى يجد الجني أن الفرصة سانحة لإرضاء طموحه، وللنزغ في قلب النبي سليمان، وتلبية رغبته في آن! فيعرض خدماته - على كره كذلك من الصياد - ويرسم خطة لتحويل قلب الملكة وانتزاع إعجابها. ويستجيب سليمان، تدفعه الرغبة الإنسانية الجارفة؛ فإذا الجني مفوض في استخدام جميع السلطات وجميع القوى، وإذا هو يسخر بساط الريح ليحمل الملكة مع سليمان في الفضاء؛ وإذا هو يبني الصرح الممرد من قوارير وتحته ما يشبه اللجة، لتبهر الملكة، وليجد سليمان الفرصة متاحة ليحملها بين يديه ويتخطى بها اللجة الموهومة! وماذا يصنع محب محروم إلا أن يلتمس كل وسيلة للتمتع بمثل هذا