هذا أثر مصنوع، اختلقه واضعه لغاية مدخولة يراد بها صد الناس عن الاحتكام إلى العقل في مختلف المعضلات، وإلا فما قيمة الجنة إذا كان أكثر ساكنيها من قدماء البُله والمجانين؟
مزية الإنسان هي قوة الشعور بالمسئولية، وهذا الشعور قد يسوقه إلى البحث عما في صدره من المكنونات، فإن فعل فقد يصل إلى منافع لا تخطر في البال
الحياة لا تقاس بالطول والعرض، وإنما تقاس بالخصب المعنوي، وهو أطيب الأرزاق، فمن واجبنا أن نزوّد أنفسنا بالكثير من الأزواد العقلية والذوقية عساها تجود بإبراز تلك المكنونات
النفس كنز تحرسه أقفال وأرصاد. وقد تعب الناس منذ أزمان في التعرف إلى كنوز النفوس، بأساليب تختلف باختلاف الأقاليم والإفهام، فأهل الهند يرون الصوم عن الطعام والشراب هو الوسيلة إلى كشف أسرار النفس، وكان بعض فلاسفة اليونان يرون الطعام والشراب من وسائل الوصول إلى أسرار النفس، وفريق من رجال الإسلام يرون النفس لا تتفتح إلا في إعقاب الصلوات عند هدأة الليل
ماذا أريد أن أقول؟
أنا أريد النص بصراحة على أن الرقي الإنساني لم يبدأ إلا بعد التحرر من الطعام الواحد، وذلك لم يقع إلا بعد أن عرف الإنسان كيف ينتقل من أرض إلى أرض. ودليل ذلك أن الأمم القليلة المعارف والقليلة الحيوية هي الأمم التي ألفت الاستقرار في وطنها الأول، لأن الاستقرار يخمد شهوة التطلع، بسبب الركود الذي يصحب توحّد المطعومات والمرئيات
والمعروف أن حواس الطفل أقوى من حواس الكهل، فكيف يكون ذلك؟
قد يقال أن الحواس تضعف مع الزمن، وذلك أسهل التعاليل، ولكني أرجح أن قوة الحواس عند الأطفال ترجع إلى أن كل شيء في نظرهم جديد، فهم يتطلعون إلى كل أفق، ويتشوقون إلى كل مجهول، ولا كذلك حال الكهل الذي ألف ما حواليه من الأشياء، فهو ينظر ويتأمل بفتور وبطء، ثم ينتهي به الأمر إلى تبلد الإحساس
والمعروف أيضاً أن النبوات لا تظهر إلا في البلاد التي يكثر فيها الاعتراك والاقتتال حول المبادئ والآراء، فما كان يمكن لمكة أن تكون مهبط الرسالة الإسلامية لو أنها كانت قرية منعزلة لا تشتبك فيها المنافع، ولا تصطرع فيها العقول. وهل ننسى كيف منّ الله على